"موارد" على طاولة الحوار الوطني

"ولا تتوقف الأخطاء الشائعة عند شركة "موارد"، فهذه الشركة قالت إنها ستستثمر في المغرب بليوني دولار! فماذا عن استثماراتها في قلب عمان؟ أليس من حق أعلى سلطة رقابية (مجلس النواب) أن تسمع شيئا عن مشروع العبدلي غير ضجيج حفاراته؟ أم نكتفي بقراءة دعايتها المبهرة "لنكتشف العالم" لنكتشف أنفسنا أولا، ونعالج الأخطاء الشائعة".
نشرت هذا في مقال لي في "الغد" بعنوان "أخطاء شائعة" بتاريخ 4 أيلول (سبتمبر) 2008. والأخطاء هي منح الحصانة لمسؤولين تنفيذيين بشكل مخالف للدستور والقانون، وأبسط المبادئ الأخلاقية والسياسية. نُشر المقال يومها ولم أتعرض للاعتقال ولا الاغتيال ولا المساءلة. ولا أدري إن كان ذاك المقال، وغيره من جهود، أسهم في كشف ما اعترى أعمال الشركة من فساد، ما يزال في طور "الشبهات" ولم يصل إلى مرحلة التجريم القانوني.
يوجد خلط عجيب بين أدوار السلطات الرقابية والتنفيذية والقضائية والصحافية. فالرقابة الدستورية أولا هي لمجلس النواب، وللسلطة التنفيذية أدوات رقابة مثل ديوان المحاسبة (مع أنه يقدم تقاريره للمجلس النيابي إلا أنه يظل جزءا من السلطة التنفيذية)، وهيئات مكافحة الفساد، وإضافة إلى ذلك مراقبة الشركات في وزارة الصناعة والتجارة، ومراقبة البنوك في البنك المركزي، وجهات التدقيق الداخلي في الشركات. معطوفا على ذلك الصحافة.
صحيح أن الصحافة عالميا قد تكون الجهة الأولى في كشف الفساد في مختلف السلطات، إلا أن دورها ينتهي بتقديم المعلومة للجمهور وصانع القرار، ودور باقي السلطات هو المتابعة القانونية التي تنتهي بالمحاسبة السياسية أو التجريم القانوني. ولا يوجد بلد في العالم ينتظر صدور قرار قضائي قطعي حتى تتحدث الصحافة أو النواب أو غيرهما في ملفات الفساد.
في قضية "موارد" نموذج لقصور مؤسسات الرقابة عندنا، فحتى لو تمت الإدانة في القضاء فإن الخراب قد وقع، فرقم الدين يصل إلى نحو نصف بليون دولار سندفعه نحن وأولادنا وأحفادنا رغما عنا لأنه لبنوك محلية وأجنبية، وتلك ليست دولا تتنازل عن حقوقها المالية لأسباب سياسية، ولا جمعيات خيرية ترحم فقرنا وضعفنا. ندفع سواء ذهبت الأموال بسبب فساد أم بسبب سوء إدارة أم سوء حظ.
تبدأ الرقابة بالقانون، فالدول لا تعرف قانونا مفصلا بحجم شركة، "قانون مؤسسة استثمار الموارد الوطنية وتنميتها لسنة 2000"، وعلى الحكومة التي شرعت القانون أن تحاسب سياسيا، تماما كما المحاسبة المالية. فبعد أن فصل القانون وخصص في أراضي المؤسسة في العبدلي والزرقاء والعقبة، عمم بنص مفتوح "تتولى المؤسسة القيام بمختلف أنواع الاستثمار للأراضي المملوكة لها وإعادة استثمار العوائد المتحققة لها من هذه الاستثمارات. ولهذه الغاية يجوز للمؤسسة، منفردة او بالمشاركة مع الغير، تطوير تلك الأراضي واستغلالها وتأجيرها وبيعها بموافقة مجلس الوزراء". اليوم نجد كثيرا من أراضي الخزينة مرهونة للبنوك، ولا نعرف ما مصيرها، أما البنوك الأجنبية فتحصل قروضها على "داير مليم" من أموالنا الشحيحة.
نحتاج إلى حوار شفاف وعلني ليس فقط لنحاسب على أخطاء الماضي، بل لنتجنب مزيدا من الأخطاء في المستقبل. وقبل أن نتحدث في الممارسات لنتحدث بالقوانين والتشريعات التي تخالف صريح الدستور. لنكتشف أنفسنا قبل أن تكشفنا بنوك العالم!(الغد)