شالوم وغيره إذ يحذرون من صعود الإسلاميين التوانسة!!

لم يكن غريبا أن يشعر الإسرائيليون (كما ورد على لسان وزير التنمية سيلفان شالوم) بالخوف من احتمالات صعود الإسلاميين في تونس بعد سقوط الطاغية الذي كان الأقرب للدولة العبرية في المغرب العربي ، وإن توفر آخرون عرفنا الكثير من تفاصيل مواقفهم عبر موقع ويكيليكس وسواه.
نقول ليس غريبا ، ليس فقط لأن من عادة الإسرائيليين الوقوف ضد القوى الإسلامية بوصفها الأكثر تهديدا لوجودهم ، بل أيضا لأن شيخ الإسلاميين التوانسة ، زعيم حركة النهضة (الشيخ راشد الغنوشي) لم يتردد يوما في إعلان مواقفه الداعمة للمقاومة في فلسطين ، وفي طليعتها حركة المقاومة حماس والجهاد الإسلامي ، فضلا عن حركة فتح قبل أن يسطو عليها جماعة رفض "العسكرة". ولا نتردد في القول إن الشيخ كان الأكثر وضوحا بين الإسلاميين العرب في رفض أي شكل من أشكال الاعتراف بالكيان الصهيوني. وحين كانت الوفود الغربية تحاوره كزعيم حركة تونسية معارضة وتضع مسألة الاعتراف بالكيان الصهيوني والقرارات الدولية في صدارة الحوار ، كان الشيخ على الدوام واضحا في إعلان رفضه لكل ذلك ، مع إصرار لا يقبل المساومة على أن فلسطين كانت وستبقى من بحرها إلى نهرها عربية إسلامية.
ما كان مستغربا ، أو لنقل مستهجنا هو تورط تنظيم فلسطيني مثل (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) ، بقيادة نايف حواتمة ، تورطه في التحذير من تقدم الإسلاميين عشية انتفاضة الشعب التونسي على الطاغية. فقد ورد في بيان صدر من رام الله بتوقيع "الرفيق رسمي عبدالغني" من الإعلام المركزي للتنظيم القول "إن الجبهة الديمقراطية وهي ترى في انتصار تونس عامل تنشيط لحركة الأحزاب والقوى الديمقراطية واليسارية والعلمانية العربية ، تحذر من ركوب موجات الإسلام السياسي لانتفاضة الشعب التونسي ، وجرها نحو مستنقع التطرف والإرهاب. وتناشد قوى المجتمع التونسي الانتباه لذلك وقطع الطريق على الإسلام السياسي وشعاراته المضللة ، وحتى لا تتكرر تجربة قطاع غزة في تونس حيث تسود قوى الرجعية والظلام".
وعندما ردت حركة الجهاد الإسلامي مستهجنة ما ورد في البيان ، سارع مصدر مجهول في الجبهة (من قطاع غزة) إلى إنكاره ، الأمر الذي منحه مزيدا من التأكيد ، لأن الأصل أن يصدر النفي (إذا كان صحيحا وجادا) عن مصدر معروف ، أكان في الداخل أم في الخارج.
يفتح هذان الموقفان (الإسرائيلي وموقف الديمقراطية) الباب أمام الحديث عن حضور الإسلاميين التوانسة في الشارع ، تحديدا حركة النهضة ، ذلك أن عفوية الانتفاضة الشعبية ، وعدم حضور الإسلاميين اللافت فيها ، تماما كما هو حال القوى الأخرى ، لا يعني أن (النهضة) كانت وستبقى غائبة عن المشهد. ولعل تحذير بن علي للغرب من عودتها دليل على حضورها وقوتها.
صحيح أن الحركة كانت مستهدفة (حد السحق) طوال عقدين كاملين ، لكن ذلك لم يحدث إلا لكونها الأبرز في الساحة السياسية قبل وبعد عسكرة المجتمع على يد الرئيس المخلوع ، ففي انتخابات 89 ، حصلت الحركة على نسبة عالية من الأصوات فاجأت الجميع ، فكان أن وقع التزوير سريعا ، بينما زُج بقيادة الحركة والآلاف من أبنائها وقادتها في السجون.
الشعب التونسي يعرف تماما حجم تضحيات التي قدمتها حركة النهضة في مواجهة عسف النظام ، والآلاف من أبنائها الذي قضوا زهرة أعمارهم في سجون الظلم يعيشون بين الناس ، وهم أخذوا خلال العامين يتحركون رغم المطاردة ، وعادت حركتهم إلى الساحة بهذا القدر أو ذاك ، وأصبح لها بعض الحضور في الجامعات. ثم إن الصحوة الدينية التي فاجأت النظام خلال الأعوام الأخيرة تصب في صالح الحركة من دون شك ، هي التي جاءت ردا على سياسة "تجفيف الينابيع" التي انتهجها النظام لشطب حالة التدين من المجتمع.
خلاصة القول هي أن حركة النهضة ستكون القوة الأكثر حضورا في الساحة إذا ما أتيحت للناس حرية الاختيار ، ولم يجر الالتفاف على انتفاضة الشعب بدعم الخارج وتدخلاته ، وعندما يحذر الإسرائيليون من تلك الحركة ، فسيزداد الناس انحيازا لها.(الدستور)