اقطعوا يد الفساد تساعدوا الفقراء

كيفما اتجه مسار التحليل الاقتصادي أو السياسي، فان الفساد يعد الخصم الاوحد لشعوب وفقراء العالم، وكلما ارتفعت كلفة الفساد زاد عدد الفقراء واتسعت معاناتهم، وفي الحالة العربية وكذلك الاردنية تتطابق الفرضية السابقة مع واقع الحال، وتتساوق معها اختبارات فاشلة لاقتصاديات السوق الحر التي عززت من مناخات الفساد باشكال عدة.
وتظهر ارقام المنظمة العربية لمكافحة الفساد صورة بشعة لنسق الانفاق مقارنة بايرادات الدول العربية، فتلك الايرادات بلغت 3 تريليون دولار خلال النصف الثاني من القرن المنصرم، وبينما تم انفاق تريليون دولار (الف بليون) على التسليح، وتريليون اخر على البنية التحتية والتنمية اتجه التريليون الثالث الى الرشاوى والعمولات والفساد الرسمي وغير الرسمي باشكاله المختلفة.
في الحالة الاردنية تعددت اوجه الفساد وشملت شركات ومؤسسات كبرى، وبحسبة بسيطة، فان كلفة الفساد في مؤسسة واحدة مؤخرا تفوق في حجمها الحزمة التي اقرتها الحكومة الاسبوع الماضي، بهدف تخفيف عبء الغلاء الذي يسيطر على اسعار السلع والخدمات في البلاد، وبما ان الخزينة والمواطن جهتان تصب في قناتيهما سلبيات الفساد ومشاكله، فإن اتساع دائرة الفساد يعني بالضرورة مزيدا من ضنك العيش وصعوبة الاوضاع المعيشية لمئات الآلاف بل الملايين.
والفساد بوصفه خصما لحليب الاطفال ومستقبل الشباب واستقرار حياة الكبار يلبس اشكالا عديدة، فالافراط في انفاق غير منتج كما درجت على ذلك معظم الحكومات الاردنية مظهر من مظاهر الفساد ، فأيهما اولى ان تسد رمق عائلة محتاجة في شمال او جنوب الاردن ام توفير سيارة دفع رباعي موديل 2011 لمدير عام، لم يقدم الكثير لابناء شعبه منذ جلوسه على كرسي الوظيفة، ولا يقف الفساد عند سلوكيات القطاع العام التي تسببت في مديونية كبيرة وعجز متراكم لموازنة الدولة بل انتقل الى بلاط القطاع الخاص، فثمة توريث في هذا القطاع وهنالك غياب شبه كامل لانظمة الحوكمة، وكثيرون هم المديرون او رؤساء مجالس الادارة الذين يستغلون الشركات والبنوك لمنافعهم الخاصة ويتعاملون معها ومع الاموال المتدفقة منها واليها، بوصفها مزارع خاصة، رغم ان بعض تلك الشركات والمؤسسات تضم بين دفاتر محاسبيها مالا عاما، اذ يقع بعضها ضمن قائمة الشركات المساهمة العامة.
الفساد المرتبط بمستوى حياة الناس مفهوم معقد وواسع، فمن يتدخل في التعيينات ويميز بين هذا وذاك يفرض على المواطنين ومتلقي الخدمة نمطا سيئا من انماط الادارة، وهو ما يؤثر لاحقا بمستوى حياتهم ودخلهم الاقتصادي، وعندما تغيب الرقابة فإن اموال الناس تصبح مهدورة ومستباحة ولا تجد من يدافع عنها، ومع تلاشي التخطيط الاقتصادي وغياب انظمة الحكم الرشيد عن الشركات، فإن هدف تلك الشركات لا يكون بخلق فرص عمل جديدة واضاءة الطريق امام الشباب، بل نهب الشركات لبعض رجال الاعمال والاستفادة من عمليات الخصخصة -بالنسبة لبعض رجال القطاع العام -حيث اوضحت التجربة العملية ان نمط الخصخصة في البلاد العربية خلال العقدين الماضيين، اظهر نوعا جديدا من الفساد وهو توجه المسؤولين الحكوميين لبيع املاك وموجودات الدولة وتحقيق المنافع الشخصية لا العامة بموجب عمليات البيع.
قصة فساد واحدة تعني بالضرورة افقارا ومعاناة جديدة لقرية كاملة ومع كل فيلا كبيرة جديدة تبنى لمسؤول "كبير" تضيع مئات الفرص لمئات الشباب، وحتى لا نقول بعد نصف قرن إن البلاد العربية خسرت تريليونين دولار على الفساد ونكرر بذلك تجربة الماضي القاسية، وحتى لا تتسع المواجهة بين شعوب تئن بحثا عن رغيف خبز وانظمة حكم كانت ادارتها لاحوال البلدان سببا في المشهد الحالي، فان المطلوب هو القضاء على الفساد ولا شيء غير ذلك.