10 عساكر لكل متظاهر

في شوارع مصر التي انتفضت من أجل التغيير ، استدعى النظام كامل عدته الأمنية في المواجهة ، فكانت الشوارع جاهزة لاستقبال 10 عساكر لكل متظاهر ، الأمر الذي سيتواصل لأن تعداد رجال الأمن المركزي لا زال قادرا على ملء الفراغ العددي ، لكن النسبة ستبدأ في التراجع ما إن يتفوق عدد المتظاهرين عن 100 ألف أو أكثر ، على اعتبار أن تعداد رجال الأمن هو في حدود المليون ، والرقم لا يشمل أعداد الجيش بالطبع. مع العلم أن تعداد الجيش يساوي نصف تعداد الأمن ، خلافا لأكثر دول العالم.
كلما رأينا رجال الأمن المركزي في الشوارع يواجهون المتظاهرين ، سنتذكر من دون شك أحمد (قام بدوره الفنان الراحل أحمد زكي) ، ذلك الجندي الطيب في واحد من روائع السينما المصرية للراحل عاطف الطيب ، أعني فيلم (البريء) الذي يجسد ذلك الجندي بعد أن يكتشف أن من كان يقاتلهم ليسوا أعداء الوطن ، وإنما الحريصين عليه والمضحين من أجله. وسندرك أن هذه الجحافل ما هي إلا أحمد مضروبا في مليون ، وهم سيغيرون موقفهم ذات يوم حين يدركون أن هؤلاء الذين ينتشرون في الشوارع قد يكون أحدهم ابن أو أخ أو صديق أو قريب ، وجميعهم ينتفضون من أجل أن تعيش مصر بحرية وإباء.
الأكيد أن الشعب المصري يستحق أفضل مما هو فيه ، ليس على صعيد العدل والحرية وحقوق الإنسان ، بل على صعيد لقمة العيش أيضا ، إذ ليس من العدل أن يملك 200 شخص من أبنائه ما يملكه أكثر من ربع السكان ، وإذا ضاعفت الرقم مرة أو مرتين سيملك هؤلاء أكثر من ثروات نصف السكان.
هنا تتبدى معضلة تحالف السلطة والثروة ، ولذلك سيدافع هؤلاء بأيديهم وأسنانهم ، ولن يسلّموا بسهولة ، لكن التضحيات ستكون كفيلة بتحقيق الانتصار المطلوب ، وعندما يبدي الناس استعدادا للتضحية من أجل حريتهم ، لن يكون بوسع أحد أن يقهرهم.
دخول الإخوان المسلمين على خط الاحتجاجات الشعبية المصرية كان قرارا حكيما من الجماعة ، والأفضل أن تكون الاحتجاجات محطة إجماع بين جميع المصريين ، لأن المطلوب هو الحرية ، والحرية أولا ورفض الفساد واستئثار عدد من الناس بالسلطة والثروة على حساب الشعب.
ثقل الإخوان وقدرتهم على الاستمرار والحشد هي إضافة نوعية للاحتجاجات ، وضمان لعدم خروجها عن السياق العام الذي يضر بالممتلكات العامة التي ستؤدي إلى خوف قطاعات من الناس من التحرك ، وقد تدفعهم للوقوف ضده.
ليس لنا أن نقول لشعب مصر العظيم ماذا عليه أن يفعل ، فهو أعرف منا بما ينفعه في حياته ومستقبله ، لكننا نتحدث هنا عن النموذج التونسي الذي ألهمهم وألهم وسيُلهم الكثيرين ، فقد أدرك الناس أن سلاح الاحتجاجات السلمية هو سلاح قوي في مواجهة الظلم والفساد ، وسيكون بوسعهم أن يستخدموه على أنحاء مختلفة. وسواء تحقق المطلوب اليوم أو غدا ، فقد عرفت الشعوب طريقها ، ولن يكون بوسع أحد أن يستعبدها ثم ينام قرير العين بعد اليوم.(الدستور)