الثورة الشعبية تتوطن والقمع والاستبداد يتقهقران

لا يجادل احد بوجود مفهوم شائع في الرأي العام العالمي بان القمع والاستبداد مستوطنان في العالم العربي. حتى ان هناك من ارجع الامر الى "جينات" في الانسان العربي تختلف عن تلك التي عند البشر. بحيث انه يستمرئ العبودية والادعاء بانها جزء من ثقافته واطيعوا "اولي الامر" التي اخذت من النص القرآني على طريقة "لا تقربوا الصلاة" لتبرير هذه الثقافة.
هذا المفهوم الخاطئ الشائع عن الانسان العربي ينقشع اليوم في سماء الثورة الشعبية في مصر التي بدأت تتوطن في الارض المصرية لتؤسس لمرحلة تاريخية جديدة ليست هناك فقط على ضفاف النيل انما على طول امتداد الارض العربية. انها ثورة سلمية حضارية بمواجهة سلطة مستبدة قمعية, انها تعيد تصحيح صورة الانسان العربي امام العالم كانسان متعطش للحياة الحرة الكريمة, يستحق ان ينال حقوقه كاملة وفق المعايير الدولية لحقوق الانسان بأرقى صورها ونماذجها القائمة في اوروبا وامريكا وآسيا وامريكا اللاتينية.
الانظمة الاستبدادية زرعت القهر واشاعت الاضطهاد في مجتمعاتها. ولم يكن نظام مبارك او نظام زين العابدين الا جزءا محدودا من خارطة الاستبداد في العالم العربي. وكثير من الانظمة التي تحكم شعوبها بقوانين الطوارئ ومصادرة الحريات بزعم انها (تحارب الارهاب) انما هي الاكثر ممارسة "للارهاب المباشر" على مواطنيها من خلال تعميم روح اليأس والقنوط, ونشر ثقافة الذل والنفاق, حتى اصبحت المجتمعات العربية على وصف ما كتبه الدكتور هشام شرابي "بانها مجتمعات تقضي بأن تحل روح الخضوع محل روح الانتقام وروح المكر محل روح الشجاعة, وروح التراجع محل روح المبادرة".
العالم كله سيغير نظرته للانسان العربي بعد الثورتين, التونسية والمصرية, والاهم من ذلك, هو ان الشعوب العربية بدأت تتغير وتُغَيّر من سلوكها ووعيها والمفاهيم المتعلقة بدور المواطنة في الدولة الحديثة, من منطلق الاعتزاز بانسانية الانسان العربي وكرامته, والنظر الى مسائل الحرية والكرامة بانها لا تقل اهمية عن توفير الخبز والعمل.
نشعر, ويشعر العالم بهدير غليان القدر في العديد من المجتمعات العربية التي تسعى للتغيير والتحول الجاد نحو الديمقراطية وبناء دولة القانون والمؤسسات, لكن الشعوب العربية اصبحت اكثر وعياً واهتماماً بحرية الشعوب التي تعيش في ظل نظم الحكم الاستبدادية القائمة في العالم العربي. ومثلما ان الثورة الشعبية في كل من تونس ومصر كشفتا عن الروح الحقيقية للشعبين العظيمين المنتفضين على القمع والاستبداد, فان ما اصبح مكشوفا اكثر هو صورة (النظام القمعي الاستبدادي" في اكثر من بلد عربي.
هناك شعوب عربية لا يُسْمَع لها الا اصوات انينها وهمس بالظلم وروايات رعب عن اقبية التعذيب والسجون والنفي ومصادرة حتى حرية تنفس الهواء, شعوب ادخلت في حمامات دم وسجون جماعية تحت شعارات خادعة مضللة بالتصدي للامبريالية والصهيونية, فيما هي لم تدخل معركة واحدة ضدهما وكل معاركها كانت ولا تزال ضد شعوبها في حفلات مفتوحة في السجون والمعتقلات.
على هذه الشعوب ستهب رياح الحرية والديمقراطية, فما كان مستحيلا قبل يناير عام 2011 اصبح بارادة الشعبين التونسي والمصري مسألة وقت. فمع توطن الثورة الشعبية في تونس ومصر, يتوطن في عمق وعي العربي عشق الحرية وكراهية الاستبداد وحكم الطغاة.(العرب اليوم )