القافزون ، عندنا وعند غيرنا

كيف لهم أن يتلونوا بلحظة ..؟؟ هل من الممكن تغيير الرأي ووجهة النظر في خمس ثوان ..بلا نقاش ولا جدال ..؟؟ عندما تم الاعلان عن هروب (سريع الهاربين بن مارثون) كنت قبلها بلحظات أضع على المحطة التونسية ( 7 ) وهي التلفزيون الرسمي كما أعتقد ..وكان المذيع يوبّخ المتظاهرين بأن الرئيس استجاب لهم وماذا يريدون أكثر ..؟ وبعد الهروب بدقيقة عدتُ لنفس المحطة فكان نفس المذيع يتحدث عن القمع و الخوف و الرعب الذي جرى على يد الرئيس الهارب الذي أراحنا الله منه و نجحت الثورة كما قال..
في مصر ..نفس الشيء ..كنتُ أتابع أغلب المحطات الفضائية المصرية ..قبل تنحي مبارك بدقائق كان هناك من يرجو المتظاهرين بألا يخربوا البلد وأن الرئيس استجاب لكل مطالبهم و أرجو التركيز على كلمة ( كل ) ..بعد التنحي بأقل من دقيقة : قال نفس الأشخاص أنهم الآن سيتكلمون بصراحة وبكوا طويلاً في بث حيّ و مباشر و أن الثورة ( ابتدأت الآن ) و أن المطلب ( الأول ) فقط هو الذي تحقق و هناك قائمة طويلة من المطالب يجب أن تتحقق ..وتحدثوا طويلاً عن عناد الرئيس ..
أفهم تماماً أن تغير رأيك بعد سنوات ..أو سنة : لأنك تراجع نفسك أو تغيرت من حولك الظروف ..أو بعد شهر أو أسبوع لأن معطيات جديدة خرجت إليك و أصبحت دماغك أكبر من الأول ..ولكن كيف لدماء تسقط على الهواء مباشرة و صرخات تتعالى على مدار أسابيع : لا تغير رأيك ..وكلمة واحدة هي ( تخلّى أو تنحّى ) تجعلك تتحول من ذئب يأكل ضحايا النظام إلى أسد يهاجم النظام الذي انهار ..إنه القرف ولا شيء غيره..
أقول لكم ذلك ..لأنني أرى عندنا الصورة تتكرر كلما ذهبت حكومة وأتت غيرها ..أرى فرساناً لم يعرفوا من الفروسية شيء ..وأرى أصواتاً تلعن في الذي مضى وقد كان أحد دعائمه ..وتنافق للجديد وقد كان يلعنه عندما كان مرشحاً ولم تثبت رؤية تعيينه ..قرف : فعلاً قرف ..
أيها القافزون ..اقفزوا كيفما شئتم ..لأنكم ستقفزون ذات مرّة مجبرين : وحينها لن يكون تحتكم إلا الهاوية.
(الدستور)