الأخلاق مناط المدح والذم

تم نشره الجمعة 04 آذار / مارس 2011 12:54 صباحاً
الأخلاق مناط المدح والذم
د. رحيل غرايبة

 

الإنسان عبارة عن وعاء لمجموعة القيم، والاختلاف بين إنسان وأخر يكون بحسب ما يحويه هذا الوعاء من قيم، أما الشكل الظاهري فهو تكوين متشابه من حيث الخلقة الآدمية، والتفاوت البسيط في مظاهر هذا التكوين المادي الظاهري، لا تشكل معيارا للاختلاف الحقيقي، كما إنها لا تشكل معيارا حقيقيا للتقويم والتفاضل، ولذلك نجد أن القران الكريم أكد على المساواة في أصل الخلقة، فقال الله عز وجل «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى»، ومن هنا لا نفاضل مطلقا باللون أو الجهة أو العرق أو القبيلة ، أو استدارة الوجه، أو الطول والعرض، ولا يتوقف عند هذه المسائل إلا السذج وأصحاب النظر القصير، وفي الآية نفسها التي تقرر وحدة الأصل البشري تقرر أيضا معيار التفاضل المعتمد وهو ذلك المعيار القيمي المستمد من قوله تعالى : «إن أكرمكم عند الله اتقاكم».

الشيء اللافت للانتباه في القران، انه جاء يرسي مجموعة من الأسس والقواعد التي تشكل البناء الإنساني الحضاري القادر على تحمل المسؤولية وأعمار الكون والعناية بمخلوقات الأرض، التي تشكل جوهر (الخلافة في الأرض)، نجد أن القران لم يفسر ولم يفصل في أركان الإسلام مثل الصلاة أو الزكاة أو الصوم وترك ذلك للسنة، مع أنها أركان لا يقوم الإسلام إلا بها، وفي الوقت نفسه نجد أن القران فصل في الأخلاق والسلوك المتحضر للإنسان وكيفية تعامله مع الآخر، ولذلك وجدناه ينص على خفض الصوت وعدم رفعه، وينص على التواضع في المشية، وينص على ضرورة الاستئذان والاستئناس من اجل دخول بيوت الآخرين، والشئ المبهر أن القران ينص على ضرورة الرجوع بنفس رضية عند عدم الإذن، فقال تعالى : «وان قيل لكم ارجعوا فارجعوا ذلك أزكى لكم»، ومن هنا فصل إلى أهمية الموضوع القيمي الذي يشكل الشخصية المعنوية للإنسان، وأهمية الأخلاق التي تتمثل بمجموعة السلوكيات المنبثقة عن المخزون القيمي الذي يملأ هذا الوعاء الآدمي. والدليل القوي على ذلك أن الله عز وجل مدح سيدنا محمد صلى عليه وسلم بقوله «وانك لعلى خلق عظيم»، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام قمة في الإيمان ورسوخ الاعتقاد، غزير العلم و فصيح اللسان، ويكثر من قيام الليل حتى تتفطر قدماه، وجاهد في سبيل الله وخاض المعارك، وجرح وتعرض للأذى، كما انه جميل الخلقة صبوح الوجه، معتدل الطول وسبط الشعر، إلى غير ذلك فلم يكن من ذلك ما جعل مناطا للمدح، لان الأخلاق التي تتمثل بكيفية التعامل مع الوجود هي الثمرة الحقيقية للجهد الإنساني الظاهر والخفي، فالأخلاق ثمرة الإيمان، وثمرة العلم، وثمرة الجهاد، وثمرة التدريب، وثمرة الفكر، وثمرة التربية، وثمرة التزكية.

فالعبادات بمجملها شرعها الله عز وجل لتزكية النفس البشرية فقال تعالى «قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها»، فما قيمة العلم والاجتهاد في العبادة إن لم تثمر خلقا عظيما ، وتعاملا سديدا، وسلوكا سليما، وشعورا نبيلا، وتأثيرا ايجابيا في الخلق، وهداية وإرشادا للضالين وضحايا الشيطان.

ولا يفهم من كل ما سبق التقليل من الإيمان أو العبادات، أو التبحر في العلم والرسوخ فيه، وإنما يقصد الإشارة إلى المقاصد والمعاني وأهميتها في تأدية كل ما سبق، ويمكن التمثيل على ذلك بالشجرة، فالشجرة لها جذور وجذوع وأغصان وأوراق وثمار، فالجذور مهمة بل في غاية الأهمية، ولا قيام للشجرة بدونها، وهي تشبه الإيمان والاعتقاد، وكذلك الجذوع والأغصان فهي مهمة و في غاية الأهمية، فبدونها لا تحيا الشجرة ولا تقوم وهي بمقام العبادات، وكذلك الأوراق التي تستقبل أشعة الشمس وضوءها، وتطبخ الغذاء فهي أيضا مهمة، ولكن الإنسان في نهاية الأمر يذهب إلى الثمار لقطفها والاستفادة منها والتنعم بمذاقها، والثمار هي بمقام الأخلاق، فالناس من حولك تهمهم أخلاقك وطريقة تعاملك، أما إيمانك وعباداتك وقيامك الليل فهو لك وحدك.

أقول ذلك وأتوجه به إلى من يلتحقون بركب الدعوات ويسمون أنفسهم دعاة، ويتصدرون المجالس والحراك الاجتماعي بهذا العنوان، أن يعوا ذلك حتى لا تكون الإساءة إلى أصل الفكرة الجميلة.


 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات