التنمية المفقودة

قبل سنوات، هلل الناس فرحين في الطفيلة عندما أقامت الحكومة سد التنور الذي اعتقد الناس أنه سيساهم في زيادة رقعة الأراضي المزروعة، ويؤدي بالتالي إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية وتثبيتهم في أرضهم بعد أن أصبحت طاردة للسكان. ولكن المفاجأة الكبرى أن هذا السد لم يكن لهذا الغرض، وإنما جاء لإمداد مصنع البوتاس في الغور بالماء. وقد كتب زميلنا فيصل القطامين تحقيقا قبل عامين نشر في "الغد" يؤكد فيه عدم استفادة المزارعين في محافظة الطفيلة من مياه سد التنور الذي شرع في إنشائه العام 1999، رغم أنه كلف موازنة المحافظة على مدار سنوات أكثر من 22 مليون دينار!
ويقع السد إلى الشمال من مدينة الطفيلة (حوالي 35 كم) على مجرى سيل الحسا الممتد لأكثر من 40 كم ليصل إلى البحر الميت. وبوشر العمل بالسد في العام 1999، واستمر حتى نهاية العام 2001. وجرب لأول مرة للتخزين في العام 2003 بطاقة تخزينية بلغت ثلاثة ملايين متر مكعب من المياه. وبحسب التحقيق الذي أعده الزميل القطامين، فإن مياه السد حاليا يستفاد منها في ري بعض الأراضي الزراعية في الأغوار الجنوبية، كما يستفاد منها للأغراض الصناعية في شركة البوتاس العربية.
وكان قد أجرى في وقتها مقابلات مع بعض المزارعين، من ضمنهم النائب الحالي حازم العوران الذي أشار حينئذ إلى أن "المزارعين لا يستفيدون من سد التنور في زراعة الأعلاف الخضراء، أو زيادة رقعة المراعي التي تخفف الأعباء عن مربي الماشية". وكذلك أشار رئيس اتحاد المزارعين في الطفيلة حينها إلى أن "محافظة الطفيلة لم تجن أي فائدة من سد التنور، سوى أنه محسوب على مشروعات الطفيلة التنموية كإنجاز كبير تحقق للمحافظة، فيما الفائدة منه غير محسوسة في المجال الزراعي"!
والشيء بالشيء يذكر عن التنمية المفقودة. فقد نشرت الصحف أمس خبراً عن احتجاج أبناء مدينة معان على قيام تاجر خردة من خارج المنطقة بهدم مباني مشروع مصنع "لاند روفر" في المحافظة، والذي أقيم على أرض تعود ملكيتها أصلا للقوات المسلحة وأملاك الدولة. وقد برر الفاعل إقدامه على عمليات الهدم بأنه يقوم باسترداد مبالغ مالية له مترتبة على المستثمر الذي أقام البنية التحتية للمصنع، وذلك من خلال استغلال الحديد المسلح الموجود في المباني لبيعه خردة.
وبين رئيس غرفة تجارة وصناعة معان عبدالله صلاح، أن ما أقدم عليه تاجر الخردة من هدم للمباني يعد اعتداء على أحد أهم المشاريع التي حسبت على مدينة معان ولم تر النور، وتغنت بها الحكومات المتعاقبة طويلا، موضحا أنه ورغم وضع المسؤولين في صورة ما يجري، إلا أنه كان هناك تباطؤ متعمد ترك المجال لتاجر الخردة لهدم عدد من المباني إلى أن قام أبناء المدينة بإيقافه قسريا عن استكمال الهدم.
فهل حقا ثمة تنمية تسعى لنشل معان والطفيلة من وطأة الفقر أمام النموذجين اللذين تم عرضهما عن حالة التنمية الموهومة؟
(الغد)