عبء ضريبي يقصم الظهر

يبقى الكلام على ارتفاع معدلات العبء الضريبي فضفاضا، ومرتكزا على شعور عام لدى المجتمع بأن مداخليهم لم تعد تكفي، وأن نفقاتهم زادت بشكل مطرد ما أسهم بتوسيع الفجوة بين ما يجنون وما ينفقون.
ومع وجود أرقام تؤكد أن معدلات ضريبة المبيعات زادت بمعدل 70 % منذ العام 2005 وحتى نهاية 2010، ندرك أننا نقف على مبرر قوي ومقنع للشكاوى المستمرة، وشعور الناس بالاختناق وعدم القدرة على تحمل المزيد من الضرائب. وبينما كان أفراد الأسرة الأردنية يدفعون ضريبة مبيعات سنوية بمتوسط قدره 1062 دينارا في العام 2005، باتوا بعد نصف عقد يدفعون ضرائب قدرها 1813 دينارا بحلول العام الماضي.
ولم يقتصر ارتفاع عبء ضريبة المبيعات على الأرقام المطلقة، لا بل إن الارتفاع طال النسب، حيث أصبحت هذه الضريبة تستنزف ما نسبته 20 % من إنفاق الأسرة الأردنية للعام 2008 – 2009 مقارنة مع 16.6 % قبل أربع سنوات.
وتتضاعف المشكلة والحمل على الأسر إذا ما أخذنا شتى أنواع الضرائب الأخرى والرسوم من دخل وجمارك ورسوم كهرباء ومياه، بعين الاعتبار، وهي درجة تصيب الفرد بحالة صدمة حيال انسياق الحكومات المتعاقبة وراء مصدر سهل لرفد الخزينة بالإيرادات المالية من خلال جيب المواطن.
أرقام الضريبة ومعدلاتها التي ارتفعت بشكل مطرد خلال نصف العقد الماضي، تعري الحكومات وتواطأها على دخل المواطن ومستوى معيشته، حين ندرك مدى الاستسهال في جني الضرائب المباشرة التي تضاعفت مرات ومرات حتى بات الفرد عاجزا عن تحمل المزيد. وتؤكد أرقام ضريبة المبيعات، وهي أقسى أنواع الضريبة التي يتم جنيها من الفقير قبل الغني، انحياز الحكومات للأغنياء على حساب الفقراء، خصوصا وان النمو الذي شهدته ضريبة المبيعات غير متوازن إطلاقا مع الضريبة على الدخل.
وفي غمرة الانهماك الرسمي في السعي وراء المزيد من الإيرادات أضاعت الحكومات البوصلة للوصول إلى العدالة التي تحققها ضريبة الدخل، من أجل إعادة توزيع الثروات بين الناس، إذ إن المنطق يقول أنْ ينفق الغني على الفقير ومحدود الدخل وليس العكس. ومن الأخطاء المتراكمة في السياسة الضريبية تنصل الحكومات في تطبيق الدستور نصا وروحا، حيث ابتعدت عن نص مادة من الدستور تدعو صراحة ليس فيها لبس، أن النظام الضريبي المعتمد في المملكة تصاعدي، لكن الواقع الآن يؤكد عكس ذلك تماما.
تحقيق التنمية المنشودة والارتقاء بمستوى الخدمات بين جميع مناطق المملكة، من أجل ردم فجوة التنمية التي تتسع يوما بعد يوم، يتطلب إعادة النظر في النظام الضريبي، والتدقيق جيدا في توزيع الإنفاق في مختلف المناطق من اجل تحسن مستوى الخدمات الصحية والتعليمية المقدمة في المناطق الفقيرة والبعيدة عن أعين المسؤولين.
وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص غير قابل للتطبيق من دون نظام ضريبي يعكس العدالة والمساواة، ويسهم بردم الفجوة بين المجتمعات، ويسعى للحفاظ على ما تبقى من الطبقة الوسطى التي فقدنا جزءا كبيرا منها نتيجة السياسات الضريبية، الناجمة عن سياسات اقتصادية أسقطت دائما من حسابها المستوى المعيشي للفرد بعد إلحاق الضرر به.
والاحتجاجات المتكررة التي نشهدها يوميا ما هي إلا نتيجة طبيعية ومتوقعة لكل السياسات الاقتصادية التي طبقت في الماضي، وتحديدا السياسات الضريبية. وخروج الناس يوميا للشكوى والتعبير، ما هو إلا نتاج سنوات من القهر الاقتصادي الذي بدأت تتبدى نتائجه منذ أشهر قليلة. ثمة خطر كامن، إما أن نمتصه أو يأتي بخراب كبير، فأي الخيارين نريد؟
(الغد)