من أجل الأردن

لا يكفي الاهتمام الشخصي الذي أبداه رئيس الوزراء بالتهديدات التي تعرّض لها الشيخ حمزة منصور وعائلته، ولا –كذلك- توفير "حراسة أمنية مشددة" له، ذلك أنّنا إذا تعاملنا بهذا المنطق، فسنضطر غداً إلى استئجار شركات حماية أجنبية لآلاف الأشخاص الذين من الممكن أن يتعرضوا لمثل هذه التهديدات من قبل "جهات مجهولة"!
ثمة خيط سميك يصل بين تهديدات حمزة منصور وحوادث البلطجة المخزية التي وقعت ضد مسيرات المعارضة وبعض حوادث الاعتداء على معارضين، كما حدث مع طالبة في الجامعة الأردنية خلال الانتخابات الطلابية. وفي السياق نفسه، تلقيت قبل مدة رسالة الكترونية من بعض الشباب (للأسف لم أحتفظ بها) سلمتها للجهات المعنية حينها، تعلن عن تشكيل "كتائب (!)" لمهاجمة "الإرهابيين".
إذن؛ القضية، باختصار، لا تقف عند حدود تهديد حمزة منصور، بل تنال من الأمن المجتمعي والسلم الأهلي، وتبعث برسالة مقلقة جداً للرأي العام بضعف مناعة الدولة ضد هذه التصرفات المتطرفة والمتشنجة، التي تعكس حالة من "العُصاب الاجتماعي"، والقراءة المأزومة لطبيعة العلاقة بين الدولة والقوى المعارضة المختلفة.
المشكلة تبدو، هنا، مزدوجة، إذ إنّ من قاموا بتهديد منصور، وقبل ذلك بالاعتداء على مسيرة المعارضة، يعتقدون أنّهم يمثّلون خط الدولة أو يدافعون عن النظام السياسي، وهم –بذلك- من يسيئون إليه، ويقدمون صورة مناقضة تماماً لتلك التي يريد أن يرسمها مطبخ القرار عن الأردن وطموحه في المستقبل.
ليس ذلك فحسب، بل إنّ الرسالة الأخطر تتمثل في ضعف الدولة وعجزها عن تحقيق مبدأ سيادة القانون وحماية الأمن واحتكار استخدام القوة، ما يعني أنّنا سنحتكم إلى "العضلات" والتهديدات في علاقتنا ببعضنا، وهو ما يليق بمرحلة "ما قبل الدولة"، أو بدول فاشلة تتمثل السلطة الرئيسة فيها بقطاع الطرق وأصحاب الميليشيات!
من أجل ذلك كله، فإنّ رسالة الدولة ينبغي أن تكون حاسمة صارمة محددة ودقيقة للجميع، فلنختلف كما نشاء ولنتناقش ونتحاور، لكن لا يُسمح بأيّ حال من الأحوال أن يتحدث شخص أو تنطق جهة بلغة التهديد أو الوعيد أو استخدام أي نوع من أنواع القوة، فهذا اعتداء على الدولة والوطن والجميع.
ما يثير القلق حقّاً أنّ هذه التهديدات تتزامن مع ما أطلق عليها مسيرات الولاء والانتماء، ما يخلق أجواءً خاطئة في البلاد، وكأنّ المعارضة لا تنتمي للوطن أو أنّ هنالك من يشكك في شرعية النظام والدولة، مع أنّ الرسالة السياسية للمعارضة كانت واضحة منذ اللحظة الأولى بالتأكيد على القبول بالنظام، وعدم المطالبة بتغييره، بل بإصلاحه.
بالطبع من حق أيّ كان أن يعبّر عن رأيه، لكن ليس في سياق الزعم بأنّه يدافع عن الدولة! فكلنا مع الدولة، لكننا نختلف على السياسات والاجتهادات، بل ما يدركه الوطنيون المخلصون أنّ قيادات المعارضة الوطنية، كالشيخ حمزة منصور، أثبتت أنّها أكثر رشداً وحرصاً على الدولة والاستقرار السياسي وصدقاً وإخلاصاً من شخصيات أمسكت بأزمّة القرار وتحكمّت في رقاب العباد حيناً من الدهر، ولم تكن أمينة ولا مؤتمنة على تلك المسؤوليات.
نعلم، بصورة قطعية، أنّ الجهات المعنية إن أرادت كشف الجهة التي وجّهت التهديد للشيخ منصور، فإنّها قادرة على ذلك خلال ساعات محدودة، وهو واجب وطني من أجل الأردن وصورته وهويته التسامحية الإنسانية، والتردد فيه يضر بنا جميعاً.(الغد)