السؤال الآسيوي الصعب

كتب الروائي المغربي الطاهر بن جلون رواية كاملة يرد بها على سؤال من ابنته ، وقد يكون السؤال متخيلا او حقيقيا ، فلا فرق لان الاجابة هي الاهم.
ولا ادري كم من الروايات التي يجب علينا ان نكتبها ردا على سؤال طرحته خادمة اسيوية بعربية متعثرة ، وهي تشاهد على الشاشة عربا جرحى يجرون عربا قتلى والدم ينزف من الشاشة كلها..
سؤال الآسيوية هو: لماذا؟
وانا على استعداد لان ادلّ اي فقيه عربي في علم الانتحار الوطني على عنوان هذه الاسيوية اذا امتلك القدرة على الاجابة.
قد يقول المتنطعون للاجابة ان السبب هو ثورات شعبية ضد نظمها السياسية ، او شرطة تفرض الامن بالرصاص الحي ، او اي شيء اخر من هذا الكلام الذي تعلكه الف فضائية عربية على مدار الساعة،
من يقتل من في هذه المباراة السياسية بالذخيرة الحية؟ وهل اجهزة الامن التي تدافع عن النظم استوردت من واق الواق او من استراليا او من بلاد البنغال؟ ام انها من صلب هذه المجتمعات.. فهم ابن اخيك وجارك وزوج اختك وزميلك في المدرسة الابتدائية ، فهل يدافع هؤلاء عن وظائفهم ام عن فكرة ام عن نظام؟
يمني يقتل يمنيا وليبي يفتك بليبي وسبق لمصري ان قتل مصريا ولتونسي ان قتل تونسيا مثلما قتل اللبناني لبنانيين والفلسطيني فلسطينيين، وقد اعترف الجميع بذلك تصريحا أو تلميحا ، والحبل على الجرار،
حكايتنا ثقافية وتربوية من صميم هذا النسيج التالف الذي نتداوله منذ قرون ، وتفاوت الوعي هو ما يفسر لنا هذا التباين الشديد بين من كانوا زملاء يقتسمون المقاعد الخشبية في المدارس الابتدائية أو روضات الاطفال.
فلماذا اختار أحدهم هذا الطريق واختار الآخر طريقاَ مضاداَ؟
ان القسمة التي تتم الآن بين شرطة ومواطنين مدنيين صالحين ليست عادلة ، فنحن جميعا لسنا شياطين ولسنا ملائكة ، ولسنا منقسمين الى ابطال وخونة.
ان حياتنا العربية برمتها تأسست على المصادفات والعشوائية ، وثمة من أصبحوا أطباء وهم لا يحبون مهنتهم لأنهم لم يشاؤوا التفريط بالمجموع الذي أهلهم لدخول كليات الطب أو نزولاً عند رغبات أهلهم..
وثمة من فقستهم كليات الآداب كحاضنات الدجاج وهم لا يحبون الأدب ولا يفرقون بين مكتبة وصيدلية ، لكن المجموع هو ما فرض عليهم هذا الخيار..
لقد نشأ الأفراد في مثل هذه المجتمعات العشوائية في كل شيء وليس في العمران فقط بشكل عصامي وكان على كل واحد منهم أن ينحت عكازه اذا كسرت ساقه من عظم الساق الاخرى،
الحكاية أبعد وأعقد من هذه التصنيفات في خانات الاثم والبراءة ، فالمجتمعات كما يقول علماء النفس والاجتماع تفرز ما تستحقه من المجرمين والقضاة على السواء ، وهي التي تحبل بكل هذه المواليد سواء كانوا مسوخاً أو مثاليين،
لماذا؟ سؤال أعقد من أحجية أبي الهول ومن كل اللوغرتمات التي هربنا منها من العلمي الى الادبي..
هذا السؤال الآسيوي الخجول طرحته خادمة على عرب يقتلون بعضهم ثم يستنجدون بمن قتلهم جميعا ذات يوم،،(الدستور)