حكم ابليس .. ولا حكم ادريس!

هتف الليبيون قبل اربعين عاماً،ضد الملك ادريس السنوسي،متمنين حكم «ابليس» بدلا من حكم «ادريس»،فلبت الايام رغبتهم.
ذهب ادريس،وجاء ابليس،وفعل افاعيله في ليبيا،على مدى اربعين عاماً،من قتل وتشريد ونهب وسفك للدماء،وحروب،وتغول للامن والمخابرات على حياة الناس،وهتك للحرمات.
منذ سقوط الخلافة الاسلامية،والعالم العربي يشرب دماً،من احتلالات كريهة قتلت وسفكت،وصولا الى استقلالات مزيفة،كانت تخدم المحتل،وتقدم له مايريد،وبعد مائة عام واكثر،على استبدال الخلافة بالقومية،تفتت العالم العربي الى عشرات الدول القطرية.
ليته ايضاً يبقى هكذا،السودان بات اثنين.اليمن مؤهل للانشطار.وكل دولة تنشطر كخلية تتزاوج في غير موسم تزاوجها.
ابتلانا الله بالانقلابيين والعسكريين،والمتأمل لقادة تونس ومصر وليبيا واليمن،يكتشف انهم جميعاً عسكريون سابقون،تبدت كل مهاراتهم على شعوبهم،والحرب الوحيدة التي خاضوها كانت ضد بلادهم ومواطنيهم.
منذ تفشي الخراب في اواخر الدولة العثمانية،وبدء سقوطها،الى هذه الايام،لم يقف العالم العربي على قدميه ابداً،وهذا ليس حنيناً الى اسطنبول،بل للاشارة الى الفروقات بين الدول الحاكمة الجامعة،والدول القطرية الصغيرة.
لم يسلم العالم العربي طوال عمره،الا تحت مظلة دولة كبيرة متصلة جغرافياً وممتدة،منذ زمن الامويين والعباسيين وصولا الى بقية الدول الحاكمة الجامعة،الفاطمية والايوبية،وغيرهما.
ما دون ذلك من جزر صغيرة او كبيرة في البحر او الصحراء،لا يصمد لا امام ريح عاتية،ولا امام محنة،وليدلني احد على دولة عربية واحدة سلمت او شعب عربي واحد سلم،خلال المائة عام الاخيرة.
السر في ذلك بسيط. اليد حين تقرر الانفصال عن الجسد،ستتعرض الى ضعف او شلل،وكذلك بقية اعضاء الجسد الواحد،واذ اكرم الله الواحد فينا بتضامن مليار عربي ومسلم معه ينبضون بنبضه،فان الغريب ان يخلع احدنا كل هؤلاء ليتقوقع مع بضعة ملايين.
تقوقع في العتمة تحت مسميات مختلفة،فيدير المرء ظهره لمليار اخ واخت،وينطوي تحت هوية بسيطة صغيرة متآكلة،ايا كان اسمها او مسوغها،في مشرق العرب ومغربهم،متناسياً ان الهوية القطرية مؤهلة بنيوياً للتفسخ في اي لحظة.
هتاف الليبيين «حكم ابليس ولا حكم ادريس» على الاغلب سيتحول اليوم الى هتاف اخر يقول «لا ابليس ولا ادريس» ولا احد يعرف متى سنسمع شعاراً عربياً موحداً في هذه الميادين،يلتقط الفرق النادر والاساس بين مستقبل الدولة القطرية،ومستقبل الدولة الجامعة الممتدة.
سنتوه حتى نتذكر ان هذه امة واحدة،بما تعنيه الكلمة من حقائق على الارض،لان خلاصنا من «ادريس»،لم يؤد الى خلاصنا من «ابليس»،وبدلا منهما معاً،نريد المشروع الكبير والجامع،قبيل الرمز والشخص والعنوان.
لا ابليس ولا ادريس.
(الدستور)