بيان دافعي الضرائب "رقم واحد"

إلى اليوم أخفق السياسيون بترسيخ فكرة حقوق دافعي الضرائب على مختلف الصعد، ولم ينجح الاقتصاديون في تثقيف الناس بهذا الخصوص لدرجة تدفعهم للمطالبة بالإصلاح مقابل ما يدفعونه من أموال.
وما يزال الذين يدفعون الضرائب لتمويل مشاريع الخزينة إلى يومنا هذا، يجهلون حقوقهم ويظنون أن دورهم ينتهي بمجرد تسديد ما عليهم من ضرائب مباشرة وغير مباشرة من دون نقاش، وكثير منهم لا يدركون أنهم بأموالهم يمولون رواتب كبار المسؤولين وموظفي الدولة، ما يخلق بيئة خصبة للتطاول على حقوقهم من قبل أناس هم الذين يدفعون رواتبهم الشهرية.
ثقافة دافعي الضرائب، وأغلبهم من الطبقة الوسطى، غابت عن المشهد رغم أن ما دفع الناس للخروج والاحتجاج كان نتاجا طبيعيا للظروف الاقتصادية، بدءا من لقمة العيش التي استعصت على كثير من أرباب الأسر في ظل وضع اقتصادي مترد وليس انتهاء بتفشي الفساد.
وما من شك أن الوعي بالحقوق السياسية يبدأ من ادراك الحقوق الاقتصادية، وأول هذه الحقوق حقوق دافعي الأموال للخزينة، إذ كيف يعقل أن تسعى الدول المانحة للتدقيق بكل فلس تدفعه للخزينة وأين ومتى ولماذا يصرف، في حين أن أموال دافعي الضرائب لا بواكي لها، فتهدر وتضيع من دون حسيب أو رقيب.
ولا أظن أن اثنين يختلفان على أن الهم الأساسي للمجتمع هو اقتصادي، من فقر وعوز واتساع فجوة التنمية بين المحافظات، وأغلب الظن أن أدوات مراكز القوى في محاصرة الإصلاح ودعاته تتمثل بأفراد كانوا الأكثر تضررا من سياسات الماضي، فلماذا يقفون اليوم في وجه من يعملون لمصلحتهم ويطالبون بإحقاق الحقوق وإنصاف الناس؟.
وتقديري أن الانقسام حيال الإصلاح مرده ضعف مستوى الوعي، ومدى معرفتهم بحقوقهم التي تخولهم محاسبة السلطات جميعها، وتعطيهم الحق بإمكانية محاسبة المسؤولين عن الإخفاقات المتتالية في إدارة الشأن العام.
فدعاة الإصلاح يدافعون عن حقوق دافعي الضرائب، ويؤكدون أن من حق الناس معرفة كيف ينفق كل فلس يدفع من جيوبهم، وأين ضاعت أموال اقتطعوها من رواتبهم المحدودة وأهدرت في غير وجه حق.
خلال الفترة الماضية شهدنا انقساما، لا يخدم أحدا إلا أصحاب الأجندات وأولئك الذين ظلوا لسنوات طويلة يجنون المكتسبات على حساب الناس.
وأزعم أن طرح خطاب عقلاني بناء على المصالح، يساعد في جعل الفريق المناوئ للإصلاح يعي تماما أن من يقفون اليوم بالشارع موالون مثلهم تماما إن لم يكن أكثر منهم، ومطالباتهم السلمية تصب في الصالح العام وليس لعدد محدود من الناس.
إلى اليوم ما نزال نعاني من فهم خاطئ للمواطنة الحقيقية، إذ ما يزال البعض يعتقد أن المواطنة ليست إلا الدفاع عن مصالح كبار القوم، فيما حقوقهم تهضم وتضيع أمام عيونهم، وهم جاهلون بها!.(الغد)