الفساد الحقيقي والانطباعي

تم نشره الأربعاء 06 نيسان / أبريل 2011 02:48 صباحاً
الفساد الحقيقي والانطباعي
محمد أبو رمان

رغم كل الرسائل والخطابات الرسمية، والقضايا التي تمّ تحويلها إلى القضاء لشبهات الفساد فيها، فإنّ الحكومة ما تزال بعيدة تماماً عن كسب الرأي العام وإقناعه بجديّتها في هذا المجال.
في المقابل، فإنّ الأوساط الرسمية تبدي مخاوف متعددة من أن استمرار الحديث الإعلامي والشعبي عن الفساد يقدّم صورة مضخّمة مغلوطة، فيها جانب انطباعي أكثر من كونه موضوعيا دقيقا، فضلاً عن أنّ هذه "المبالغات" تفتح الباب أمام "تخويف" المستثمرين والمسؤولين من اتخاذ قرارات كبيرة على هذا الصعيد، سدّاً للذرائع، حالياً ولاحقاً، وخشية أن يذهبوا ضحيةً لتصفية حسابات وتسديد فواتير سياسية. بهذه الصورة، فإنّ الخطاب الرسمي والحديث الإعلامي عن الفساد يتسمان معاً بالفوضى وغياب التعريف الدقيق له، وتحديد المؤشرات الإجرائية والأسس التشريعية والتنفيذية والرقابية لمواجهته. 
التركيز الرسمي إلى الآن يقع في بؤرة مشاريع معينة، حامت حولها شبهات فساد، كما هي الحال في مشروع توسعة المصفاة، وشركة موارد، والكازينو، وهي قضايا وإن كانت قد أثارت الرأي العام، مع قضايا أخرى، مثل مشروع سكن كريم لعيش كريم، إلاّ أنّها لا تمثّل إلاّ نوعاً محدداً من أنواع الفساد، وربما هي أكثر هذه الأنواع المكشوفة.
إذن، علينا ابتداءً، تعريف الفساد إجرائياً، على الصعيد الوطني، وتحديد محاوره الإدارية والمالية والاقتصادية والسياسية، والتشريعات المطلوبة لمواجهة ذلك، ومن ثم المؤسسات المعنية به، وهي ليست مؤسسة واحدة، والتمييز بين الجانب الوقائي- الردع، والجانب العقابي- القضاء، كي نشعر، بالفعل، أنّنا أمام نقطة تحول حقيقية، ولفتح المجال لإشراك أكثر من مؤسسة واحدة في هذا الملف الحيوي والحساس.
إذا كان الفساد هو "الاستغلال السيئ للسلطة لتحقيق مصالح شخصية"، فإنّ الإصلاح الإداري في الدولة يقع في قلب مواجهة الفساد، واختيار القيادات الإدارية المؤهلة والنظيفة هو جوهر مكافحة الفساد، ومحاربة "المافيات" الداخلية في عملية العطاءات والإحالات والعلاقات البينية مع المستشارين الأجانب والشركات الخاصة، وترسيم العطاءات بما يناسب مقاييس معينة وأحجام مفصّلة، فإنّ هذا من أخطر أنواع الفساد، فكيف نحاربه؟!
الفساد يكمن في غياب العدالة داخل المؤسسات العامة أو شبه العامة، وعدم وضوح المعايير المؤسسية لدى الجميع، والفجوة الكبرى في الرواتب والامتيازات. فماذا يعني أنّ نقرأ رواتب فلكية لموظفين صغار يديرون مناطق تنموية، وخاصة، تصرف لهم من جيب المواطنين، فهل جرى اختيار هؤلاء على قاعدة تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة، وهل تحديد الرواتب والمكافآت والامتيازات تمّ وفق تسلسل إداري ومعايير قانونية معتبرة، أم رؤى شخصية واسترضائية؟ الفساد يقع، أيضاً، في صميم إهدار المال العام واتخاذ قرارات غير موضوعية بشأن الموارد العامة للدولة، كما هي الحال مع الشركات الاستشارية الأجنبية التي تتم الاستعانة بها، وتمنح صلاحيات واسعة، وتنفق عليها الملايين، ويتاح لها الإطلاع على أسرار وخفايا لا يملكها مسؤولون كبار، وفي نهاية اليوم يكون مردودها معدوماً أو مضحكاً، بينما يتم إهمال الكفاءات الإدارية الوطنية، والتعامل معها باستهتار وتجاهل! هذه الأرضية من تعريف الفساد وأبعاده تمثّل المعيار لتحديد استراتيجية مكافحة الفساد الإداري والمالي، ذي الطابع القانوني وغير القانوني، وترسيم العناوين الرئيسة في هذا المجال: كالإثراء غير المشروع، إهدار موارد الدولة، التعيينات الخاطئة، الفساد المقونن، انعدام قاعدة تكافؤ الفرص، شبهات الفساد، التدقيق والشفافية والمحاسبة. بغير إطلاق مشروع وطني متكامل لمكافحة الفساد ووضع حدّ له، فسيبقى هذا الملف أحد أكبر التهديدات ويجذّر فجوة الثقة بين المواطن والدولة، ويعزز حالة الاحتقان والغضب لدى المزاج الاجتماعي.(الغد)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات