سيمفونية توجيه الدعم لمن يستحقه

هي ذات اللغة التي يقدمها مسؤولونا أمام المؤسسات الأممية، لم تختلف أبدا رغم النتائج الاجتماعية الكارثية التي أتت بها برامج التصحيح خلال سنوات مضت .
وذات المشهد يتكرر ويظل المسؤولون يحلفون أغلظ الأيمان لرئيسي الصندوق والبنك الدوليين أن الأردن لن يمضي في سياسة الدعم القائمة حاليا، وأنه سيوجه الدعم لمن يستحقه في القطاعات المختلفة، من كهرباء وغاز ومعالجات طبية.
الحكومة تؤكد أنها ضمن هذا الإجراء تتمكن من توفير مصادر مالية يمكن استخدامها لتمويل جوانب أخرى ذات أثر إيجابي على المواطنين، ويسهم في إيجاد فرص عمل جديدة للأردنيين وبالتالي يحسن أداء الاقتصاد الوطني.
وليست المشكلة في توجيه الدعم لمن يستحقه، بل في الآليات المحلية المتبعة في تطبيق مثل هذا النهج الذي اعتراه العديد من العيوب خلال السنوات الماضية.
وما تزال تجربة الكاز والتخلص من دعمه وتوجيه الدعم للأسر مباشرة ماثلة في عقول الناس، حينما قررت الحكومة دفع مبلغ 13 دينارا لكل أسرة يقل دخلها عن 500 دينار مقابل دعم الكاز لمرة واحدة فقط.
ما مارسته الحكومة من التفاف في هذه المسألة هدف لغاية واحدة هي تخليص الخزينة من دعم هذه الاستراتيجية بطريقة هادئة تضمن عدم تحرك الناس والاحتجاج، وذلك ما كان، حيث لم تعد الحكومة لدعم وقود الفقراء بعد هذا الإجراء الماكر.
والعيب ليس في تقديم الدعم لمن يستحقه، فالجميع يرفض أن تستخدم الفنادق الكبرى أسطوانة الغاز المدعومة، بيد أن المشكلة الحقيقية تكمن في خوف الناس من تطبيق ذات اللعبة بحيث تكسب الحكومة حين تتخلص من الالتزام المالي وتريح الموازنة وتتنصل من مسؤوليتها تجاه الناس.
وفي ظل هذه المعادلة يصبح المواطن الفقير هو الخاسر الأكبر حينما يفقد من جديد مصدرا يساعده على حياة صارت أقرب للموت البطيء.
قبل أن تتحدث الحكومة عن توجيه الدعم لمن يستحقه، عليها أن تقدم ضمانات للجهات المستحقة للدعم تكفل استمرار تقديم المعونة لمن لا يقدر على العيش من دونها خصوصا، وأن الدعم يمس حاجات أساسية منها الخبز والكهرباء.
وعلى الحكومة أن تعطينا كفالة مكتوبة بأن عجز الموازنة المقدر حاليا حوالي 1.06 بليون دينار لن يرتفع مجددا بعد التخلص من جزء كبير من الدعم المقدم والذي تقدره اليوم بحوالي بليون دينار لمختلف السلع والخدمات.
فما حدث بعد العام 2008 أن العجز ازداد بمعدلات كبيرة رغم أن الحكومة باشرت بتطبيق سياسة رفع أسعار المشتقات النفطية في تلك الفترة، وحملت أرباب الأسر أسعارها بالكلفة ومن دون أي دعم.
بعد تقديم هذه الضمانات قد يتسنى للحكومة القول إنها ستوجه الدعم لمن يستحقه، ومن دون ذلك لا يمكن لمثل هذا التفكير أن يصبح واقعا من دون كلف غالية ستدفعها الحكومة ذاتها وكل من يدافع عن قرارها.
والأولى بحكومتنا أن تقنع المجتمع والناس بمخططاتها، لا أن تسعى لإرضاء المؤسسات الأممية التي طالما وضعت أجندات لإفقار شعوب هذه المنطقة ورهنت مستقبل بلدانها بتقاريرها التي لم تهتم يوما بالمشاكل الاجتماعية التي تولدها.