الوضع العربي المضطرب.. يتفاقم

نحزن على الانظمة العربية التي لم تجد حلاً لأزماتها ولا طريقاً للتعامل مع مطالب الاصلاح الشعبية سوى شن حملات عسكرية على المحتجين.
في ليبيا لا رجعة الا ان يلغي طرف ليبي الاخر, اما ان يستمر القذافي بالحديد والنار ويفرض الاذلال من جديد على شعبه, أو أن ينتهي نظامه, وهناك تبدو المعركة طويلة بعد أن نجح القذافي في تحويل المواجهة من معركة تحرير ليبيا من نظامه الى صراع على مصراتة الساحلية وجوارها النفطي.
فمصراتة قد تكون نقطة الفصل وحد الانفصال بين بنغازي وطرابلس مما يهدد باحتمال تقسيم ليبيا, وهناك دول لا تمانع ذلك, خاصة وان الجهد العسكري لحلف الناتو لم يصل الى الحد الذي يغلّب كفة الثوار ولا الى الحد الذي ينهي شوكة الآلة العسكرية لقوات القذافي, والمجال ما زال مفتوحاً للقذافي للاستعانة بمرتزقة من افريقيا والجوار العربي كما تؤكد الانباء.
اما اليمن السعيد فتوازن القوى في الشارع اليمني والانقسام يهددان بتكرار المشهد الحالي مرة اخرى في الشارع اليمني اذا ما تم الاطاحة بالرئيس علي صالح ونظامه, فالقوى المؤيدة له, اذا لم يجر حوار وطني توافقي, قد تنزل الى الشارع هي الاخرى لمعارضة أي حل قادم, وعندها تكون المعارضة في الحكم والموالاة في الشارع.
والاخطر ان الانحراف نحو العنف والدم لا يحتاج الا قليلاً من التحريض لأن التعصب ما زال مستحكماً في الشارع اليمني.
اما سوريا الشقيقة فقد افزعتنا الاحداث الدامية الجارية هناك, ويبدو أن الامور قد خرجت عن السيطرة, لأن مطالب المعترضين قد وصلت الى حدها الاعلى, مما حدا بالنظام للرد ايضاً بالحد الاعلى من العنف.
فالحالة الراهنة بعد الغاء قانون الطوارئ تدهورت حتى بدا نظام الطوارئ هناك اكثر رحمة.
نتمنى ان تجد سورية النظام السياسي والشعب، طريقها الى وقف العنف، والتوافق على خطوات اصلاحية سياسية واجتماعية، توقف تصاعد العنف فسورية مفصل مهم في المواجهة العربية، وما يجري في سورية قطعا سينعكس على مجمل الاوضاع العربية، وعلى دول الجوار والقضية المركزية.
محزن ان الدول التي رفعت شعار الثورة والحرية منذ عدة عقود، لا تجد وسيلة لتوظيف الاصلاح والحرية والديمقراطية لتقوية الداخل؛ لكن بالتأكيد هذه احدى نتائج حالة الغاء المعارضة طويلا في الداخل والتعامل معها كعدو خارج النظام، فبالكاد تجد بلدا عربيا يتعامل بسوية واحترام مع قوى المعارضة فالمعارضة في النظام العربي شر مستطير ومطارد, في أغلب الاحيان.
لا نملك الا الاماني الطيبة، بان يتغلب الشعب السوري، والعقلاء في الدولة السورية، على هذه الازمة للحيلولة دون تحويلها الى فتنة ومعركة داخلية، بل الى ورشة اصلاح وتفاهم داخليتين والى حركة تصحيح ومراجعة حقيقية فالانظمة تبلى احيانا وتصدأ أو تهرم من طول المدة وطول الرتابة وعدم التغيير، والعلاج بالقوة الامنية اشبه بالعلاج بكي النار، مدمر وفات اوانه، واذا كانت الدول الحزبية تفشل في استخدام الحوار، وتلجأ للحل الأمني، فماذا نقول للدول التي لم تعرف الاحزاب، وحديثة العهد بالحوار الداخلي؟ لدينا مشاعر مختلطة ومخاوف تجاه ما يجري، وتجاه المرحلة المقبلة ونخشى ان تضيع دعوات ومطالب الاصلاح في الساحة العربية تحت هدير الدبابات والحلول الأمنية وتصعيد المطالب الشعبية إلى الحد الذي يفزع الأنظمة، والتصعيد الامني المقابل.
نتمنى أن لا تصل الحالة العربية الراهنة الى محصلة تخسر فيها الانظمة نفسها وصورتها وشعوبها، وتخسر الشعوب ايضا آمالها في الانتقال الى الحرية والديمقراطية والاصلاح والتعددية.
حمى الله أمتنا وشعوبها، والهم الله العرب الآخرين القادرين على لعب دور ايجابي لوقف الدمار والعنف على الساحة العربية، حيثما أمكن، وأن يساهموا في ترشيد الحوار الداخلي قبل ان يفوت الأوان.