البلطجة والعدوان التحويلي
بصرف النظر عن التوظيفات المعروفة لظاهرة البلطجة والزعران عند كل قوى النظام العربي البوليسي الفاسد, فان هذه الظاهرة تحتاج للتمعن والقراءة في جذورها واسبابها بما هي شكل من اشكال العدوان التحويلي المعروف في علم النفس الاجتماعي, سواء في بُعدها الفردي او الجمعي ..
وهي ابتداء امتداد لحالة الكبت الجنسي والاجتماعي والتصريف والازاحة نحو العدوان في غياب شروط الإزاحة نحو الابداع في حقوق الادب والفنون المختلفة او نحو التسامي والتصعيد الروحي ..
وكما اظهرت الحالات العربية الاخيرة, فقد قامت قوى الفساد والاستبداد المتنفذة باستخدام هذه الظاهرة ضد المتظاهرين من الشبان العُزل المسالمين, وذلك بتغذية العدوان التحويلي المذكور في مدخلاته ومخرجاته وارتداداته النفسية والاجتماعية والسياسية.
ومن ابرز اشكال هذه التغذية اعادة انتاج ثقافة العنف السلبي بشقيها, الرمزي الايديولوجي, والعملي المباشر, فمن توظيف المناهج والمدارس والجامعات (العنف الرمزي) كما يلاحظ بورديو, الى توظيف ما يعرف بقاع المدينة ومدخلاته ومخرجاته المختلفة مثل مراكز الاحداث والسجون الجنائية وعوالم العصابات الاخرى حين تنتشر المخدرات والشذوذ واللواط ..... الخ.
وقد لا يلتفت كثيرون الى ان هذه الظاهرة هي ظاهرة عالمية واقدم من اكتشاف قوى البطش العربية الرسمية المأزومة لها, وهي ظاهرة مركبة, موضوعية نتاج النظام الرأسمالي وتهميشه لاطراف المدن والعالم وتحطيم الانسان وتحويله الى بضائع, وسياسية برسم التوظيف لهؤلاء (كاسرو الاضرابات) وسبق ان عالجها مفكرون مثل ماركوزه الامريكي في كتابع (الانسان ذو البعد الواحد) وفانون في (معذبو الارض) وكذلك في الادب الامريكي ميللر والفرنسي جان جينيه الذي كان هو نفسه شقيا ...
وبالمحصلة, فالبلطجية بقدر ما هم ادوات للعدوان والاذى وقمع حركات الاحتجاج الشعبية, فهم إما ضحايا ظروفهم العائلية والاجتماعية (الكبت, الفقر, الجهل) واما ضحايا (العنف الرمزي) الايديولوجي في المدارس والجامعات.
ولا يخفى على احد كيف وكم تحولت الجامعات الى ميادين ومختبرات لاعداد آلاف الطلبة واعادة انتاجهم كمشاريع بلطجية في المستقبل عبر سلسلة لا تنتهي من المشاجرات الجهوية الجماعية المبرمجة.
ولذلك بقدر ما تحتاج ظاهرة البلطجة الى محاسبة كل من انتجها وادارها, بقدر ما يجب معالجتها كظاهرة مرضية والتعامل مع المتورطين فيها كمرضى يحتاجون الى علاج نفسي واجتماعي, ناهيك عن ضرورة التحولات الاجتماعية الكبرى واجتثاث الفقر والجهل من جذورهما, وتوفير مناخات ديمقراطية في الحياة السياسية والاجتماعية, على حد سواء ...(العرب اليوم)