أي استثمار نريد ؟

في لقاءات منفصلة مع مستثمرين عرب، سمعت كثيرا من تخوفاتهم حيال بدء الاستثمار في الأردن في هذه المرحلة التي بدأنا نشهد خلالها تعاظم الحديث عن الفساد، بالتزامن مع مباشرة هيئة مكافحة الفساد التحقيق بالعديد من ملفات الفساد.
رجال الأعمال يبدون تخوفهم من إنشاء مشاريع لهم في المملكة خوفا على سمعتهم وحرصا على رؤوس أموالهم، وهذا حق مشروع لهم خصوصا وأن لدى كثير منهم سجلا نظيفا يخشون أن يتلطخ بالحديث عن الفساد.
أحد المستثمرين العرب ممن عبروا عن مخاوفهم، قرر بعد تردد أن ينشئ مشروعا كلفته 250 مليون دولار، مصدر القلق العميق كما قال كان نابعا من مخاوف حيال اتهامات قد تطاوله مستقبلا بسبب الجو العام المسيطر على البلاد.
لا شك أن فقدان الثقة بين الحكومات والمجتمع، والذي اتسع خلال السنوات الماضية، لعب دورا كبيرا في تغذية الحديث عن استشراء الفساد وتزايد القناعة بكبر حجم المشكلة.
ومما صعد من لغة الناس ضد المستثمرين نوعية الاستثمار التي تم استقطابها خلال السنوات الماضية والتي فشلت في توفير فرص العمل لشباب أردني عانى لسنوات من التهميش وانعدام الإنتاجية في عمر الربيع الذي يضيع من دون فرصة عمل تساعده على العيش الكريم وتؤهله لدخول معترك الحياة.
ومما ساعد على خلق جو سلبي تجاه المستثمرين انقطاع العلاقة التبادلية بين المجتمعات المحلية وأصحاب المشاريع الذين لم تسهم أبراجهم ومشاريعهم بتحسين مستوى المعيشة والارتقاء بها ما جعل وجود الاستثمار من عدمه سيان لدى الناس.
وأكثر من ذلك أن الغربة العميقة بين الاستثمار والمجتمعات ظلت تتعمق في ظل تجاهل حكومي لنوعية الاستثمار التي يتطلع لها الناس وتناسب عقلياتهم وإمكانياتهم ومؤهلاتهم العملية.
والأردنيون، كغيرهم من الشعوب، مضيافون شريطة أن لا يكون الهدف من وراء الاستثمار تحصيل إعفاءات وقروض من بنوك محلية تحقق منافع لصاحب الاستثمار فقط.
وخلق تبادل المنافع بين المجتمع والمستثمر ضرورة لنجاح الاستثمار، فهو يشغلهم وهم يحافظون عليه وعلى أمواله من أي أذى، والعكس صحيح تماما، ونوعية الاستثمار هي التي تحدد نظرة المجتمع لصاحبه.
فاستثمارات مشغلة للأردنيين مثل إنشاء مصنع للطائرات يشغل 800 أردني، أو إقامة منتجع ترفيهي في مدينة العقبة ببليون دولار في قطاع تكنولوجيا المعلومات ستكون مقبولة مجتمعيا كونها تشغل الأردنيين وتؤمن لهم فرص العمل.
الاستثمار والمشاريع هما الحل الأكيد لمشاكل الأردن الاقتصادية، وتخفيف مشاكل الموازنة من عجز ودين وتقليص معدلات الفقر والبطالة غير ممكن من دون جذب الاستثمار، وهذا بحاجة إلى إعادة الطمأنينة لقلوب المستثمرين وتقصير المسافة بين الأردني ورجال الأعمال. ( الغد )