أما آن الأوان لنبذ الأوهام والرهانات الخائبة؟!

على نحو «دراماتيكي» وفقاً لـ»هآرتس»، ارتفعت شعبية بنيامين نتنياهو في أوساط الرأي العام الإسرائيلي بعد خطابه «التاريخي» أمام الاجتماع المشترك لمجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين... ووفقاً لآخر الاستطلاعات، فقد قفزت شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي حولي 13 نقطة، ما يجعله حتى إشعار آخر، أقوى شخصية في إسرائيل، بل والشخصية المحورية فيها، وما يرشحه لتولي رئاسة الحكومة في أول انتخابات للكنيست، مبكرة كانت أم في موعدها المقرر.
نتنياهو جاء إلى الحكم على «متن صناديق الاقتراع»... ائتلافه يمثل اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل... وهو من موقعه على رأس الحكومة والائتلاف، يسهم يومياً في إزاحة المجتمع الإسرائيلي بمجمله إلى أقصى يمين الخريطة السياسية والحزبية الإسرائيلية، مثلما يسهم في تغذية «لوبي الاستيطان» وتعزيز نفوذه ومواقعه.
مصدر إعجاب «شعب إسرائيل» بـ»ملك إسرائيل» أو رئيس حكومتها، يعود إلى جملة من العوامل منها: (1) أنه صمد في وجه «الضغوط» الأمريكية، ولم ينحن لـ»عاصفة أوباما»... (2) أنه شدد على «يهودية الدولة وحق اليهود التاريخي فيها»... (3) أنه رفض العودة إلى خطوط الرابع من حزيران أو حتى اعتمادها أساساً لترسيم الحدود مع «دولة فلسطين العتيدة»... (4) أنه جسّد الإجماع الإسرائيلي الرافض لحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم الأصلية... (5) أنه شنّ هجوماً عنيفاً على حماس وعباس، فيما يشبه العودة إلى النظرية الشارونية عن «غياب الشريك الفلسطيني»... (6) والأهم من كل هذا وذاك وتلك، أنه نجح في الوقوف أمام الاجتماع المشترك للمجلسين للمرة الثانية، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الكونغرس، وانتزع من التصفيق ما عجز حتى زعماء الولايات المتحدة الكبار من الحصول عليه من قبل نوابهم وشيوخهم.
ليس في الأمر غرابة، لكل من يعرف إسرائيل ويقرأ قليلاً عن اتجاهات تطورها السكاني والاجتماعي والثقافي والسياسي... ليس في الأمر غرابة لمن يتتبع حركة «توازنات القوى» بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، فإسرائيل «تنزاح» نحو اليمين بثبات، وبشكل خاص بعد انتهاء الحرب الباردة وتقاطر مئات ألوف اليهود السوفيت والشرقيين، فضلا عن الفلاشا وغيرها... إسرائيل «تهرول» نحو اليمين، كلما ازداد الوزن الكمي و»النوعي» للمستوطنين في صناعة القرار السياسي و»الانتخابي» في الدولة العربية، هؤلاء تقريبا باتوا يمثلون «عُشر» السكان (10 بالمائة تقريبا)، بيد أن فاعليتهم، وهم من أصحاب الإيديولوجيات الصارمة والصوت العالي و»الطاقة الحركية»، أكبر بكثير من وزنهم العددي.
ولعل من آيات هذا «الانزياح» اليميني ودلالاته وتداعياته، اندثار معسكر اليسار في إسرائيل... لا أحد بمقدوره أن يرى حزب العمل بالعين المجردة الآن... حزب باراك (الاستقلال) لم يحظ بمقعد واحد في استطلاعات الرأي... ميريتس باتت أثراً بعد عين... معسكر السلام في إسرائيل بـ»قضّه وقضيضه» لم يعد يكفي لملء قاعة واحدة في «مقاطعة» رام الله، عندما يستدعيهم الرئيس عباس أو يستضيفهم على عجل في سياق «العمل على تغيير الصورة في إسرائيل».
نقول ذلك، لكي نبدد وهماً متغلغلاً في أوساط نخب رام الله القيادية... وهمٌ يصوّر لأصحابه أن مشكلة تعثر عملية السلام، تكمن في مجيء حكومة اليمين واليمين المتطرف... وأن هذه العملية كادت تبلغ «مربعها الأخير» مع إيهود أولمرت، قبل أن تعود «للمربع الأول» بمجيء نتنياهو... و»أن المجتمع الإسرائيلي جاهز لحل الدولتين»، وأن كل ما ينقصه هو حكومة تعبر عن إجماعه وتعكس تطلعاته وأولوياته.
عفواً يا سادة يا كرام... نستميحكم العذر بدعوتكم للتبصر في هذه «الأوهام والفرضيات» وإعادة النظر فيها... المجتمع الذي تراهنون عليه، هو ذاته المجتمع الذي جاء بهذه الحكومة والائتلاف ورئيس الوزراء قبل عامين فقط... المجتمع الذي تراهنون عليه، هو ذاته المجتمع الذي صفق بقوة وحرارة لنتنياهو بعد «غزوة اجتماع المجلسين»... وهو الذي يدفع بحكومته نحو اليمين... لا تنتظروا تغييراً تأتي به صناديق الاقتراع... التغيير المحتمل، هو أن يعزز نتنياهو وليبرمان نفوذهما في الانتخابات القادمة... وأن تصبح كاديما في أقصى يسار الخريطة الحزبية الإسرائيلية بالمعنى النسبي لكلمة يسار... وأن تصبح شاس والمفدال وإسرائيل والليكود هي الممثل الشرعي الوحيد، لـ»التيار المركزي» في إسرائيل «main stream». لا تراهنوا على انتخابات مبكرة أو دورية في موعدها المعتاد... لن تحصلوا سوى على «نتنياهو 3»، وهل اختلف «نتنياهو 2» عن «نتنياهو 1» لكي تراهنوا على «نتنياهو 3»... لقد انتهت اللعبة، لقد وصل قطار المفاوضات إلى قعر الوادي وليس إلى محطته الأخيرة، بعد أن خرج عن سكته، قبل أكثر من عامين... لقد انتهت عملية السلام إثر «خطاب الانسحاب من عملية السلام» الذي تلاه نتنياهو من على «منصة المجلسين»... لقد انتهى الدور الأمريكي «النزيه» بعد تراجع أوباما للمرة الثانية أمام نتنياهو... المرة الأولى في موضوع الاستيطان والثانية في موضوع الحدود وخط حزيران... وهو الذي جاء إلى الحكم أصلاً متبنياً نظرية الأمن الإسرائيلية و»يهودية الدولة» و»إسقاط حق العودة»... اللعبة انتهت يا سادة يا كرام، وما عليكم سوى البحث عن لعبة جديدة وقواعد جديدة، تبدأ بإسقاط الرهانات الخائبة ونبذ الأوهام القاتلة والعودة لبناء البيت الفلسطيني من الداخل، في سياق استراتيجية جديدة، تستلهم روح «الربيع العربي»، فهل هذا كثير على شعب فلسطين، مفجّر الثورات والانتفاضات جيلاً بعد جيل... دعونا لا نقضي وقتاً طويلاً في البحث عن «رئيس وزراء» و»طاقم وزاري» في الحكومة الفلسطينية القادمة... دعونا نصرف الوقت، كل الوقت، في البحث والتداول في عناصر الاستراتيجية البديلة... نرجوكم: كفى عبثاً وتلهياً، فالوقت من دم وحقوق. ( الدستور )