"كلنا حمزة الخطيب"

"ما يحدث في سورية مؤامرة على النظام والممانعة"، "كل ما نراه من جرائم التعذيب والقتل والإبادة العنصرية والطائفية هو مجرد أفلام مدبلجة"، "المعارضة مدعومة من الخارج والأصوات التي تنتقد مجازر النظام السوري لها أجندتها الخاصة"، و"المعركة هي فقط مع تكفيريين وجماعات متطرفة وعصابات خارجة على القانون"!
هكذا هي رواية النظام السوري وأتباعه. حسناً، سنفترض أن كلّ ذلك صحيحٌ تماماً، لكن هل يمكن أن يكذب أيّ منكم أباً وهو يبكي أمام جسد ابنه المسجّى، وقد قُتل بالرصاص أو تحت التعذيب! أو حين يرى ابنه الذي اعتقل، وقد خرج محطّماً نفسياً وجسدياً، عاجزاً عن الحديث ويلوذ بالصمت والبكاء من حجم الويلات التي عاشها في المعتقلات السورية؟! هل مئات الشهادات الموثقة (هذه) أيضاً كذب ومؤامرة، وهل ما قاله رامي مخلوف حول ضمان النظام السوري لأمن إسرائيل أيضاً مفبرك؟!
نعود لقصة الطفل حمزة الخطيب (13 عاماً)، وقد كان بصحبة أهله في مسيرة لفك الحصار عن مدينة درعا، فالتقطته قوات الأمن، واعتقلته، ثم بعد أيام أعادته "جثّة هامدة" لأهله، لكنها متخمة بآثار التعذيب الوحشي، بما في ذلك بتر عضوه التناسلي، ورصاص في أنحاء متعددة من جسده، ثم بعد أن تتكشف القصة ويرفض أهله الصمت، يقوم الأمن السوري باعتقال والده!
فقط لو قيل لأولئك الذين يتنطحون للدفاع عن هذه الجرائم والقتل، ويتواطؤون على تصوير الشعب بوصفه عصابات مسلّحة، والملاعب التي يجري فيها التعذيب للمتظاهرين، بـ"مراكز ترفيه وتأهيل": فقط تخيلوا أن الطفل حمزة هو ابنكم، وأنه تعرّض للتعذيب الوحشي قبل أن يُقتل! ولو أنّ مئات الأطفال السوريين الذين عُذِّبوا واعتُقلوا أو قُتلوا هم أبناؤكم أو إخوانكم، وحدث معهم ما حدث، هل ستبقى هذه هي مواقفكم؟!
ما يحدث حالياً في سورية هو قصة استثنائية غريبة فعلاً، تعكس واقعة وجود جهاز أمني وعسكري خارج التاريخ، أدمن التعذيب والقتل وإهانة الكرامة الإنسانية، ولا يتقن صنعةً أخرى، ولا يمتلك الخروج من عصر المجازر والمذابح، لذلك لا يعرف بعد أن هذه الجرائم في عصر اليوتيوب والثورة المعلوماتية والإعلامية، جميعها تتحول إلى وثائق مروّعة ومرعبة، تكشف حجم الفساد والقمع الذي وصلت إليه الأمور.
لا يصل جهاز ما إلى المتعة بتعذيب الأطفال بهذه الصورة البشعة إلاّ وقد تجاوز حالة "الإفلاس الأخلاقي"، وخلع "روح الإنسانية" منه، وارتدى ثوباً آخر (!).
الصمت على ما حدث مع حمزة الخطيب وإخوانه من الأطفال والشباب السوريين بمثابة جريمة نشارك فيها جميعاً، محبي النظام السوري أو شانئيه. فليس هنالك تبرير واحد يمكن أن يفسّر القفز على قتل الناس وتعذيبهم والاعتقالات الجماعية وحملات الإبادة ومئات الشهادات التي توثق ذلك، ومنها ما نشره مؤخراً الزميل سليمان الخالدي حول مشاهداته في أيام الاعتقال في سورية.
"كلنا حمزة الخطيب"، "كلنا أطفال درعا"، "كلنا طل الملوحي"، وليست هذه المآسي إلاّ "قمة جبل الجليد"، مما هو واقع حقاً. وأقل ما يمكن أن نقوم به دفاعاً عن أطفالنا ونسائنا وإخواننا في دمشق وحمص ودرعا والمدن السورية الأخرى هو أن نرفع أصواتنا عاليةً برفض هذه المذابح، وبدعم مطالبهم الحقّة بالحرية والكرامة، وقبل ذلك الإنسانية. ( الغد )