لمجرد حفنة دنانير

تقبع في العقل الحكومي اليوم فكرة مفادها أن تحسين الظروف المعيشية للمواطنين سيسهم بشكل فاعل في التخفيف من وطأة المطالب الإصلاحية. وخطورة هذا التفكير أنه يكشف النوايا الحقيقية لبعض الجهات غير المؤمنة بالإصلاح والمتضررة منه والتي تقتنع في قرارة نفسها أن قليلا من الانتعاش الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية سيؤدي إلى إخفات صوت المنادين بالإصلاح، متماهية مع مقولة "اطعم الفم تستحي العين".
وتشي طريقة التفكير الرسمية بحجم الضغط الذي تمارسه قوى الشد العكسي والجبهة الممانعة للإصلاح والتي يشكلها أفراد وجهات استفادوا لسنوات طويلة من تأخر الربيع وتشكل الوعي المجتمعي المطالب بالإصلاح والتغيير.
إن شرائح واسعة من المجتمع تعيش بمستويات معيشية مريحة بدأ صوتها يرتفع وينضم إلى الفريق المطالب بالإصلاح، خصوصا وأن هذه الفئات متضررة من نتائج غياب الإصلاح وتحديدا ما يتعلق بالفساد وغياب العدالة والمساواة وعدم تكافؤ الفرص.
فالوعي الذي تكوّن لدى المجتمع نتيجة الانفتاح العالمي ومعرفة تجارب الأمم الأخرى وتحديدا المتقدمة، رسم حلما في رأس كل واحد منا يدفعنا لنحذو حذو تلك الدول ونتقدم خطوة في طريق الإصلاح، أملا بأن نكون دولة مؤسسات وقانون تحترم حقوق الإنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ونظرة معمقة للحراك الشعبي، ومنابع الأصوات الداعية للإصلاح يتضح أنهم ليسوا جميعا من الفقراء ومحدودي الدخل، بل إن بعضهم من شرائح مجتمعية ما تزال قادرة على توفير مستوى معيشي لائق ومريح، ما يعني أن العامل الاقتصادي لم يكن الوحيد المحرك للشارع.
وحتى الشريحة الأقل حظا التي بدأت تعاني منذ سنوات وشهدت بأعينها نموا اقتصاديا لم ينعكس على مستوى معيشتها، باتت تدرك اليوم أن غياب الإصلاح السياسي والتفرد باتخاذ القرار، وفقدان هيبة الموقع العام وكل ما تعانيه من مشاكل، مرده غياب الرقابة الحقيقية على السلطة التنفيذية.
الحراك الشعبي، ينمو يوما بعد يوم ويبدو في ظاهره مطلبيا، والحكومة مخطئة إن ظنت أن الاستجابة للمطالب ستجفف منابع الدعوة للتغيير والتي تدفقت كنهر جار لن يتوقف أبدا إلا إذا وجد مصبا ملائما. حجج وذرائع وأد عملية الإصلاح كثيرة، وتبدأ بأن المجتمع غير مؤهل للتغيير وغير قادر على تحمل المسؤولية، ولا تنتهي بأن الاحتجاج مصدره اقتصادي ومالي وسيتوقف فيما لو حصل الناس على بعض المال، لكن أغلب الظن وما تقوله تجارب الأمم الأخرى أن ما بدأ لن ينتهي لمجرد حفنة دنانير تقدم للناس. ( الغد )