صُنِعَ هناك !!

تم نشره الأحد 26 حزيران / يونيو 2011 12:25 صباحاً
صُنِعَ هناك !!
خيري منصور

بعيداً عن الامثال والمواعظ ومغنية الحي التي لا تطرب وكرامات الأنبياء في أوطانهم، فالمسألة ذات صلة عميقة ومعقدة بالسايكولوجيا وبمجمل التربويات والمكونات النفسية للانسان، عالجها مفكرون من طراز د. فرانز فانون ومالك بن بني وآخرون، انها فكرة الانسان عن ذاته، والتي قد تكون من صياغة الآخر الغالب سواء كان مستعمرا أو نموذجاً حضارياً مغرياً بالتقليد الذي يصل حد "التقريد"!.

ما صنع هناك هو دائما الاكثر اجتذاباً، واللامرئي يحظى بالفضول أكثر من المرئي، والشاطىء الآخر من البحر هو الأجمل دائماً، أو كما يقول الانجليز ان حديقة الجيران اكثر اخضراراً من حديقتنا.. جربنا مراراً أن نكون هناك، ولاحظنا عن كثب كيف تكون امتيازات القادم من مكان آخر، والمجتمعات التي تحترم نفسها ورموزها، ولا تفقد التوازن وتصاب بالعمى اذا شاهدت من تظن أنه الأعلم والأجمل والأرقى، لا ننتظر منها ان تعترف حتى بالعباقرة من ابنائها، لأنهم ببساطة ابناؤها وليسوا ابناء الآخرين..

وهناك مثل شهير في روسيا يقول ان ستالين في عين أمه هو سوسو.. أي ذلك الطفل الذي أرضعته وحملته على صدرها وعلمته المشي والنطق بأولى الكلمات.

المطلوب منا إذن أن نكون دائماً هناك، في مكان آخر، وان يبرهن كل فرد على جدارته واستحقاقاته من خلال الآخرين في اي منفى يشاء..

لقد قيل مثلاً أن احمد زويل لو لم يهاجر الى أمريكا لبقي أستاذا في كلية العلوم يصارع شروط البقاء وأجرة البيت وأقساط المدارس وعلاج الوالدين، وهذا غير صحيح، فنجيب محفوظ نال جائزة نوبل وهو الذي لم يغادر القاهرة الا مرات قليلة وعاش في أحيائها الشعبية ومقاهيها وعلى أرصفتها.. لكن البيئة التي عاش فيها مكتفية بذاتها، وقد تكون مصر بالتحديد هي البلد الذي حاجة للمرء فيه كي يعرف من هو الاستاذ ومن هي السِّت، وهما علمان نادراً ما يذكران بالاسم..

لماذا نمتلىء بالريبة والشكوك ازاء كل ما صنع هنا ولم يصنع هناك؟ ونعتمد على الآخرين كي يصدروا لنا الأحكام بالقيمة على هذه القامة أو تلك، سواء تعلق الأمر بالثقافة أو السياسة وحتى الاقتصاد؟؟

هل هو انخفاض منسوب الثقة بالنفس؟ أم هي حالة مما يسمى في علم النفس الاستلاب والشعور بالدونية بدلاً من الندية!

انها مجرد أسئلة وهواجس تدور في ذهني منذ سنوات، فأحياناً يدعى بعضنا الى مهرجانات وفعاليات فكرية في أقصى الكوكب ولا يلتفت اليه أحد هنا.. لأن من يعيشون هنا منشغلون بمن يعيشون هناك.. وما أن تصبح هناك.. هنا حتى يفقد الطاووس ريشه!

اقترح على المسحورين بالهناك، ومن يحتاجون الى ترميم ثقتهم بأنفسهم لأنها مثقبة كالغربال أن يقرأوا ما كتبه فانون ومالك بن بني وجان جنيه وآخرون، فقد يهتدون الى عقب أخيل الذي تأتيهم منه السهام، وليس ذنباً لأي منا أن يكون في هذا المكان أو ذلك المكان لأن الجغرافيا ليست معياراً أخيراً يحتكم اليه..

ان أقسى ما يمكن للانسان أن يعانيه هو اضطراره دائماً لأن يكون هناك.. في أي منفى كي يحتفظ بوهجه ويظفر باعترافات قد تكون عصية على سواه..

أما آن لنا أن نعالج هذا الفالج النفسي ولو بالكي، كي نكتشف بأن أخانا لا ذنب له في أن يكون كذلك.. وأن ما صنع هناك هو الافضل حتى لو كان ابرة خياطة في الصين!!! ( الدستور  )
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات