عن الأمن والإعلام و»البلطجية»

تم نشره الأحد 26 حزيران / يونيو 2011 12:27 صباحاً
عن الأمن والإعلام و»البلطجية»
عريب الرنتاوي

ينفي المسؤولون الحكوميون والأمنيون، أن تكون الاعتداءات التي وقعت مؤخرا على الصحفيين والإعلاميين، هي بمثابة عمل «ممنهج» أو «مؤسسي منظم»...وهم ينفون أن تكون هناك «سياسة» و»تعليمات» باستهداف الإعلاميين والصحفيين، ويتحدثون عن «تجاوزات» فردية و»ممارسات خاطئة.

لكن الصحفيين والإعلاميين في المقابل، يرون أن تكرار هذه الاعتداءات والارتكابات، وعدم محاسبة المسؤولين عن التجاوزات، وغياب «اللجان» المشكلة لهكذا غرض في دهاليز الترك والنسيان، إنما يوحي بما هو أبعد من «التجاوزات الفردية» ويعكس ما هو أخطر من «الممارسات الخاطئة».

الأمر الأكثر أهمية من تجاوزات رجالات الأمن، يتجلى في تفاقم ظاهرة «البلطجة» وانتشار «البلطجية»، وقد وصفها الزميل طارق المومني نقيب الصحفيين، بـ»المليشيات» التي تتصرف كدولة داخل الدولة، لا تقيم وزناً لدولة القانون والمؤسسات، وتصر على «أخذ القانون بيدها»، أو بالأحرى بهرواتها وأسلحتها البيضاء (تُقرأ السوداء).

خلال التظاهرات والاعتصامات، تعرض الصحفيون والإعلاميون للأذى على يد هذه «المليشيات» أكثر مما واجهوا من جانب الأجهزة الأمنية المنظمة...وقد تطور عمل هؤلاء وانتقل إلى ملاحقة الصحفيين في «عقر مكاتبهم»، وليس في الساحات والميادين فحسب، كما حصل مع وكالة الصحافة الفرنسية، وكما وقع لعدد من الزملاء المراسلين...وبتنا بحاجة لسيارة شرطة تقف 24 / 24 ساعة أمام مكاتب المؤسسات الإعلامية الرئيسة، حفظاً لمقتنياتها من العبث والتدمير، وحفاظاً على حياة العاملين فيها من الاعتداءات بالضرب والتجريح.

ظاهرة «البلطجة»، التي لها ما يُرادفها في الدول العربية التي شهدت أو تشهد حراكاً جماهيرياً واسعاً، كـ»الشبيحة» و»المرتزقة» و»الزعران»، ظاهرة «يتيمة»...لا أب لها ولا أم...لا أحد يعترف بنسبها إليه أو بقربه منها...الحكومة تتنصل من شرور أعمالها، بل وتتظاهر ضدها...الأجهزة الأمنية تنفي الصلة وتشجب الممارسة وتلوذ بالقانون «السيّد» من هؤلاء «البلطجية» وقبيح أعمالهم...مع أننا جميعاً، نعرفهم فرداً فرداً...نفراً نفراً...الحكومة تعرفهم...الأجهزة تعرفهم...والصحفيون يعرفونهم...وهم على أية حال، هم لا يخفون وجوههم أو هوياتهم...هم يتصلون بالهاتف، ويبلغون التهديد والوعيد، وينفذون ما هددوا به وتوعدوا.

لكن أولي الأمر والشأن، من صنّاع القرار ، يتصرفون حيال هذه الظاهرة، بوحي من «قاعدتين» اثنتين، الأولى وتقول: أن كلفة الاشتباك مع هؤلاء واستئصال شأفتهم قد تكون أعلى من الأكلاف الناجمة عن «فسادهم في الأرض» و»انتهاكهم المحرمات» و»خروجهم على القانون، وذلك بحكم ارتباطاتهم السياسية وتشعابتهم الاجتماعية...أما القاعدة الثانية، فتقول: «رب ضارة نافعة»، فقد يفعل هؤلاء ما تعجز الاجهزة المختلفة عن فعله...قد يثيرون الرعب في الأرض والنفوس و»النصوص»...فلماذا ندخل طرفاً في المواجهة مع الإعلام، إن كان بمقدورنا أن نكون «حكماً نزيهاً» بين الإعلام و»البلطجية»...كل ما يلزم قليل من الوعود والتعهدات وبيانات الشجب والاستنكار والتعهد بـ»الضرب بيد من حديد» وتشكيل بعض «اللجان» التي تتشكل على عجل ولا تصل إلى أي «مطرح» ولا يعود أحدٌ يسمع بها أو يطالبها بتقارير ختامية، ولا بأس بين الحين والآخر من إرسال وزير عامل إلى مظاهرة هنا أو اعتصام هناك و»يا دار ما دخلك شر».

هي لعبة قصيرة النظر بلا شك، أياً كانت أغراضها ومراميها، وأياً كانت «الفلسفة» وراء الصمت على ظاهرة «البلطجة» و»البلطجية» والسماح بتفاقمها، بل وتحولها إلى «رديف احتياطي» يقطع الطريق إلى «الشونة» أو يتربص بـ»دوار الداخلية» و»شارع الصحافة» أو يتنظر على «ناصية» المسجد الحسيني...العالم أدرك كنه هذه «اللعبة» ومراميها، وهي باتت عبئاً على «نظرية الأمن» الأردنية، بدل أن تكون «قيمة مضافة» إليها...وها هي المنظمات الدولية التي تعنى بقضايا حرية الصحافة وحماية الصحفيين، تصدر البيان تلو الآخر، تحمل فيه الحكومة وزر أعمال هؤلاء، وبصورة أشد مما لو كانوا جهازاً أمنياً شرعياً ورسمياً.

لسنا نتهم أحداً ولا نريد أن ندخل من هذه الأبواب... نريد أن نصدق الرواية الرسمية فيما خص الاعتداءات و»البلطجة»...لكننا نريد أن نرى كذلك، نتائج التحقيق في الانتهاكات والتجاوزات...نريد أن نرى مذنبين مدانين خلف القضبان ا...نريد أن نرى «البلطجية» ومن يقف وراءهم ويدفع لهم ويحرضهم أمام عدالة القضاء وفي أروقة المحاكم...عندها وعندها فقط سنصدق الرواية الرسمية، وسيصدقها العالم برمته...لكن قبل ذلك بيوم واحد، من حقنا أن نواصل الشك والتشكيك بالرواية والرواة. ( الدستور  )
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات