عندما اغلق ابي متجره

في مناخات ايلول 1970 وبعد تقاعد والدي من بلدية الزرقاء استأجر متجرا في حي معصوم اغلقه بعد اشهر لاسباب اعتبرها وجيهة, فقد كان الاردنيون يقاطعون المتجر لان اولاد صاحبه كانوا مع المقاومة الفلسطينية, اخي الاكبر مع جبهة التحرير العربية (بعث العراق), انا مع الجبهة الشعبية (قوميون عرب).. وقد فعل الفلسطينيون الامر نفسه, فصاحب الدكان كركي اصيل ومتهم ابتداء بالانحياز للنظام. ومنذ ذلك الوقت وحتى الان لم يستوعب النظام ايا من اشقائي في مؤسساته ولم تعد المقاومة مقاومة..
اتذكر هذه الواقعة بعد اربعين عاما وانا استعد لترشيح نفسي لرئاسة رابطة الكتاب الاردنيين فالماكينة الاقليمية من الطرفين بدأت تدور.. اوساط من اوسلو لا تجد الا الخطاب الاقليمي للتحريض ضدي, لانني اخذت موقفا مبكرا ضد اوسلو وحذرت ولا ازال من كونفدرالية اسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية في الاردن.. وبالمقابل ثمة اوساط اقليمية اردنية تعتبرني فلسطينيا بامتياز لانني امضيت عدة سنوات مع المقاومة الفلسطينية في لبنان وسورية, وادعو ولا ازال لاعتبار فلسطين قضية القضايا ولا معنى لاي نضال ديمقراطي او اجتماعي اردني معزول عن التضامن مع الفلسطينيين..
على صعيد ثان من عمل هذه الماكينة انا صدامي تارة, وايراني تارة اخرى, فحسب هذه الماكينة سبق وكتبت نصا بعد استشهاد الرئيس الشرعي للعراق, صدام حسين, وادعو ايران لرفع يدها عن العراق والكف عن استخدام (الخليج الفارسي).. وبالمقابل تروج الماكينة نفسها انني ايراني من مروجي حزب الله.. والحق انني مع حزب الله وضد اعتبار ايران خطرا مساويا للعدو الصهيوني, لكنني في الوقت نفسه مع طرد طهران من العراق ولا ارى شرعية لاي رئيس منذ الاحتلال الامريكي للعراق.
وفي مستوى ثالث, تسوقني الماكينة المشبوهة نفسها كصديق للمعارضة اليسارية السورية (كيلو ودليلة وسارة وادباء ومفكرين آخروين قضوا سنوات طوال في السجون السورية).. وتسوقني تارة ثانية كمقرب من النظام السوري, وتستشهد الماكينة على ذلك بموقفي غير الواضح مما يجري في سورية.. والحق ان لي اصدقاء كثيرين من المثقفين المعارضين واقف معهم من اجل الديمقراطية وفي الوقت نفسه ادرك ان الامريكان وجماعتهم لا يريدون اضعاف سورية من اجل استبدال نظام شمولي بنظام ديمقراطي, بل من اجل استبدال الوطن السوري الواحد بجغرافيا كانتونات مذهبية على غرار العراق بعد الاحتلال..
وفي مستوى آخر من عمل الماكينة المذكورة فانا نصراني اسدد فاتورة دراستي في جامعة دمشق, علما بانني من ابوين مسلمين (عثمانيين) والدي محمد ووالدتي آمنة, ودرست على دفعتين في الجامعة الاردنية (البكالوريوس) وفي القاهرة (الدكتوراة).
وباختصار انا موفق محمد المحادين, عروبي اشتراكي, وفي القلب من ذلك سورية التاريخية او انطون سعادة معربا..
واحسبني ضد الصدمات والابتزاز وحركة السوق السياسي, شراء وبيعا.. ولن اغلق فمي كما فعل والدي واغلق متجره قبل اربعين عاما.0
( العرب اليوم )