عندما يستيقظ التنين ...

تجذب الانتباه هذه العبارة في إحدى الدعايات والإعلانات المنشورة في الصحف المحليّة لإحدى وكالات السيارات الصينية التي تعرض مجموعة من سياراتها المتطورة التي غزت الأسواق العالمية حديثاً في سياق التنافس العالمي في مجال صناعة السيارات, بعدما كانت حكراً على الدول الغربية واليابان ردحاً من الزمن.
لقد استيقظ التنين فعلاً, وأصبحت الصين تزحف بثقة لتتربع على قمّة الاقتصاد العالمي في ظل تحقيق معدلات نموّ عالية جداً, وفي ظل الأزمات العالمية الخانقة التي اجتاحت أمريكا والدول الأوروبية, ولم تتعاف منها بعد.
النموذج الصيني يدعو إلى الإعجاب, فلا تكاد تمسك شيئاً صغيراً أو كبيراً إلاّ وتجد عليه عبارة (صنع في الصين), من لعب الأطفال إلى الأجهزة الكهربائية وأجهزة الاتصالات, إلى الملابس والأحذية والأدوات المنزلية, إلى المواد الصناعية والمواد الغذائية, وأخيراً السيارات.
لقد أغرقت الصين الأسواق العالمية بقدرة تنافسية عجيبة, واستطاعت بدأب وتخطيط محكم وهدوء منقطع النظير أن تملك قوة تكنولوجية متقدمة وتمزجها بالحكمة الصينية المشرقية, لتطور عقلية الإنسان الصيني وتطور مهاراته, حتى تكاد الصين أن تسيطر على الكرة الأرضية, بلا جيوش غازية, ولا أجهزة إستخاراتية عالمية, وبلا حروب وصراع, وخسائر بالأرواح والمعدات, فكل إنسان في العالم يدفع نسبة من ماله وجهده ليصب في الخزينة الصينية بنسبة تزيد وتنقص من دولة إلى دولة ومن إقليم إلى إقليم بحسب حجم الصادرات الصينية إليها.
يا ترى لماذا لم يستيقظ المارد العربي, ولماذا ما زال هذا المارد يغط في نومه العميق, فبذلك القدر من الإعجاب والدهشة بالنموذج الصيني يوازيه قدر من الحسرة والألم على النموذج العربي الذي له إبداعات من نوع مختلف وعجيب يستحق الرثاء.
ترى إذا نظرنا إلى الإبداعات العربية نجدها على النحو التالي:
- في القرن الإفريقي مجاعة تهدد (10) ملايين شخص بالموت, مجاعة في القرن الواحد والعشرين!! الذي يحتدم التنافس فيه على غزو المشتري والبحث عن الحياة في الكواكب البعيدة, وتنظر عندنا إلى قطعان الأطفال العراة الذين ينتظرون الموت جوعاً ومرضاً, والذباب يغطي وجوههم بكثافة.
- دول عربية أخرى تتفنن الأنظمة فيها وتبدع في محاصرة المدن بالدبابات المشتراة من جيوب الشعوب وعرقهم وكدّهم, لتدمر بيوتهم, وتسحق البقية الباقية من كرامتهم.
- دول عربية أخرى استطاعت الأنظمة فيها تحويل الأوطان إلى إقطاعيات ومزارع خاصة, والشعوب إلى عبيد وعمّال, والمؤسسات إلى عروض تجارة.
- دول عربية أخرى تحولت الشعوب فيها إلى كائنات مستهلكة تعيش على ما ينتجه الآخرون, ويبرطعون في تكنولوجيا أبدعتها عقول أجنبية, تنتظر ما تنتجه الشعوب الجادّة من ابتكارات جديدة تحقق مزيداً من الراحة ومزيداً من الاسترخاء, لا حاجة للتفكير, فهناك من يفكر بالإنابة.
من هو المسؤول عن هذه الحالة, وعن عدم استفاقة المارد العربي:
هل هي الأنظمة التي استطاعت تغييب العقل العربي وتكبيل الإرادة الشعبية, وحراسة التخلف وإدامة الغباء الجمعي, والاستخفاف بالأمّة, واستخدمت التخويف والإذلال والأموال لإنجاز هذه المهمّة?.
- أم هي الشعوب العاجزة عن توحيد صفوفها, وشحذ إرادتها ولم شعثها وتجميع قوتها ضد التسلط وحكم الفرد, وضد الظلم والتعسف, وعدم الهداية للإمساك بحبل الله المتين وعروته الوثقى, وتحقيق الثورة على الاستبداد.
- أم هي الدول الاستعمارية الباغية التي عمدت إلى تقسيم المنطقة وشرذمتها, وحرمانها من حق تقرير مصيرها, وإدارة شؤونها, ومحاربة قوى النهوض والتغيير فيها?
لست متشائماً, لقد بدأ المارد العربي يتململ ويستعد للإفاقة, وعندما يفيق المارد العربي العملاق سوف يضع لمسته على الحضارة العالمية, بكل تأكيد.(العرب اليوم)