علماء من أجل الإصلاح

التمّ شمل مجموعة كبيرة من حملة العلم الشرعي يوم أمس, تحت لافتة (علماء من أجل الإصلاح), وهي مبادرة محمودة من بعض العلماء على طريق حض العلماء على القيام بدورهم الأصيل في حمل رسالة العلم والصدع بالتبشير بمشروعهم الإصلاحيّ الكبير, بهمة وفهم وحكمة وموعظة حسنة, كما أمر الله تعالى في محكم كتابه العزيز (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
والمقصود أن يكونوا قادرين على توضيح الحقيقة, وإيصال الفكرة بأحسن الطرق, وأجمل العبارات, وألين السُّبل, المصحوبة بالحب والإخلاص والتضحية, وبسط الوجه وبشاشته, بعيداً عن الفظاظة والغلظة. كما قال الله تعالى في كتابه مخاطباً رسوله الكريم:(ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك).
أول وظيفة للعلماء: الدعوة إلى إزالة التناقض المصطنع بين المكون الشرعي والمكون المدني لمشروع الأمّة الحضاري الكبير; لأنّ هناك من يحاول زرع التناقض في أذهان الأجيال وعامّة الناس بين الدين والحداثة, أو بين الدين والمدنية, أو بين الدين والعقل, وهذه مؤامرة شريرة من أعداء هذه الأمّة, حتى يجردوها من هويتها الحضارية وثقافتها السامية الفاعلة; من أجل نزع عوامل النهوض والتقدم الذاتي للأمّة, من أجل أن تبقى في سياق التبعية لحضارات الآخرين والمشاريع الأجنبية.
ما يجب أن يعلمه العرب جميعاً في ثورتهم المظفرة المباركة للمطالبة بالحرية والإرادة الشعبية المطلقة, ومقاومة الاستبداد والتسلط والفساد, أنّهم أصحاب مشروع حضاري عربي إسلامي نهضويّ تحتاجه البشرية جمعاء, وقد حضّ الله العرب لحمل هذا المشروع والصدع به, عندما اختار منهم رسولاً عربيّاً, واختار اللغة العربية لتكون لغة القرآن, واختار جزيرة العرب لتكون منطلق الحريّة والتمدن والتحضر والعدل والحق والتسامح, والتعارف والتعاون في إرساء حياة آمنة مستقرة لكلّ بني البشر.
إنّ الملتقى الأول للعلماء من أجل الإصلاح يؤكد على ضرورة الشروع بالإصلاح الوطني الشامل, المرتكز ابتداءً على إعطاء السلطة للأمّة صاحبة الحق في الاختيار والمحاسبة والمراقبة لأولي الأمر وأصحاب المسؤولية, فهذه نقطة البدء الصحيحة.
أمّا الأمر الثاني, فالعلماء يعتبرون أنّ تزوير إرادة الأمّة, في الاختيار لممثليها ونوابها في مجالس آهل الحل والعقد هي جريمة عظمى وخيانة للمسؤولية والأمانة, تستحق أشد أنواع العقوبة, ونزع الثقة الشعبية من كل من أمرَ أو أشرفَ أو شارك في هذه الجريمة الخطيرة.
كما أشار ملتقى العلماء إلى إصلاح مؤسسة القضاء, بما فيها مؤسسة القضاء الشرعي وصيانتها من تدخل الحكومة وأهل النفوذ, وتطهيرها من الفساد والمحسوبية والشللية في التعيين والترقية, ويجب تطوير هذه المؤسسة وفقاً لآلية حديثة شفافة خاضعة لرقابة فاعلة ومؤسسية حديثة وعادلة.
لم يغفل الملتقى ضرورة إعادة رسالة المسجد السامية في إصلاح المجتمع, وتطوير الروابط الاجتماعية والإسهام في أمن المجتمع واستقراره, عن طريق البحث عن العلماء الأكفياء الأمناء, الذين يحظون بثقة أمّتهم بالإضافة إلى التمتع بدرجة علميّة رفيعة وخُلُق قويم وسلوك مستقيم.
كما أنّه لا بد من إيجاد مؤسسة علميّة شرعيّة مستقلة, تضم خيار الكفاءات العلمية; من أجل التفرغ للعلم وحفظ الدين والخلق, والفتوى الصحيحة البعيدة عن الهوى أو الانحياز لغير الحق, ومن أجل التمكن من القيام بمهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تحفظ الأمّة من الهلاك, وتجعلها في موقع الخيريّة والفضل بين الأمم.
كما لا بد من إصلاح النظام التعليمي, وإصلاح أوضاع الجامعات, ورفع مكانة أعضاء هيئة التدريس, وتوفير البيئة العلمية السليمة, ودعم البحث العلمي, بما يحقق وجود البيئة العلمية المناسبة لاستنباط الاجتهاد والإنتاج العلمي والمعرفي في كلّ مجالات الحياة; لأنّ العلم هو طريق الرقيّ والتحضر وامتلاك أدوات القوّة.
كما لا بدّ من إصلاح النظام الاقتصادي, ليكون اقتصاداً إنتاجيّاً حقيقياً يجمع بين العلم والجهد والمال بشراكة علميّة فعّالة, بعيداً عن سيطرة الصيغ المالية الربويّة وصيغ الاقتصاد الوهمي, غير المنتجة وتضع الأزمات التي تضرب استقرار المجتمعات.(العرب اليوم)