"الفرنجي برنجي"...أو "عقدة الخواجات"

تم نشره الأربعاء 27 تمّوز / يوليو 2011 01:17 صباحاً
"الفرنجي برنجي"...أو "عقدة الخواجات"
عريب الرنتاوي

كنّا نحن «المتورطين» بمهنة الكتابة، نستمرئ بين الفينة والأخرى، طرح سؤال: «ماذا نكتب؟» أو «لمن نكتب؟»...وفي ظني أن ما من ممتهن للكتابة، لم يثر هذا الموضوع في تاريخه المهني، مرة واحدة على الأقل...الآن، يبدو أن «نمط» الأسئلة قد تغير...أسئلتنا القديمة لم تعد ذات جدوى...المهم اليوم، من يكتب؟...بأية لغة تكتب؟....وأين تنشر؟..الأجوبة على هذه الأسئلة هي الأهم...الأجوبة على هذه الأسئلة هي التي تُحدث فرقاً.

يأتي «الصحفي الأجنبي»، أو يهاتفك، لا فرق، كثيرون منهم صاروا كسالى مثل صحفيينا و»مندوبينا»، إذ يبدو أن العدوى قد انتقلت إليهم مع العشرة وطول الإقامة...يسألك عن هذه القضية أو تلك، تقضي أوقاتا طويلة في الشرح والسرد والتحليل وكشف الملابسات و»الماورائيات» و»المستقبليات»...يذهب إلى غيرك من «المحللين والسياسيين»، يقضي أوقاتاً أطول أو أقصر، يخرج بقصة، ينشرها بلغة أجنبية، في صحيفة ناطقة بغير لسان الضاد، ينهال المترجمون وتتكاثر الترجمات...هذا نص مغاير...هذا تحليل عميق...هذا منشور في «الصحيفة الفلانية»...ألم تقرأ مقال النيويورك تايمز ؟...ألم تر ما نشر في لوس أنجلوس تايمز...ألم تأتك تقارير هذا المركز أو ذاك الموقع؟.

تكتشف بعد الفحص والتأمل، أن كثيرا مما أقبلت عليه بنهم المتعطش للمعرفة، ليس في واقع الحال، سوى «إعادة تدوير» لما سبق وأن أدليت به أنت ونفر من الشخصيات الأردنية، التي تعد على أصابع اليدين، والتي يجري تداولها بين «شبكات الإعلاميين والصحفيين والدبلوماسيين والدارسين الأجانب» على نطاق واسع...تكتشف أن التناول لم يبلغ «القيعان» التي أخذت إليها محدثك ومحاورك، في التحليل المعمق والنبش في الخلفيات والأبعاد و»الماورائيات»...تكتشف أن ما ورد على لسان «الفرنجي» ليس «برنجي» تماماً، فقد سبق لك، ولبعض زملائك، أن كتبوا شيئاًَ شبيهاً أو شيئا لا يقل عمقاً إن لم يكن أكثر عمقاً وطولاً وعرضاً وارتفاعاً....ما يكتبه هؤلاء يستحق الاحتفاء...ما تكتبه أنت، يؤخذ بتحفظ ؟!

دعك من الأسماء، أسماء الصحف والمواقع أو أسماء الكتاب والمراسلين التي تُذيل بها أو تُصدّر، المقالات والتقارير والتغطيات...أنت نفسك، تكتب مقالاً لصحيفة ناطقة بغير لسان الضاد...تقرأ ما كتبتَ بالعربية، وقد استحال إلى إنجليزية رشيقة، فتكتشف أن مقالك إياه، اكتسب عمقاً أكبر...حتى إنك قد تفكر في ترجمته إلى العربية، مع أن النص الأصلي، كان كُتِبَ أصلاً بلسان الضاد...تفاجأ بأن صحفياً أجنبياً، يتصل بك من القاهرة أو بيروت أو أي عاصمة أوروبية، يحدثك عن مقال لك، منشور أو موزع، باللغة الإنجليزية، بمعرفتك أو من دون معرفتك، فتأخذك الدهشة من «عمق ما كتبت»، رغم أن المقال قد يكون مضى على نشره في هذه الزاوية، عدة أيام على الأقل، ومن دون أن يثير قدراً مماثلاً من الحفاوة والاحتفاء.

بعض الأكاديميين منّا، يحزنه أن أحداث «ساحة النخيل»، لا مرجعية لها معمقة وواسعة في الجارديان أو الواشنطن بوسط، أو الدوريات المتخصصة...وهو يبحث عن التبدلات في الحراك الاجتماعي والسياسي الأردني، في ثنايا الدوريات والنشرات الأجنبية، فلا يجدها، فيكون ذلك مدعاة للإحباط والتأزم...علماً بأن لدينا من «الأدب» وأحياناً «قلة الأدب»، السياسي والفكري، ما يكفي لإنتاج المعرفة بدل الاكتفاء بـ»إعادة تدويرها»...وأقول «قلة الأدب» ليس من باب الفكاهة و»التفكه»، فالحوار السياسي يهبط أحياناً إلى مستوى «قلة الأدب»، وهذا بحد ذاته، يشف عن ظواهر «الفراغ السياسي» و»حدة الاستقطاب» و»التوتر المجتمعي»، مثلما يعكس حجم ومستوى التحولات والتبدلات التي تمر بها الدولة والمجتمع في الأردن، وفي ظني أن هذه الظواهر بحاجة لمن يقرؤها ويحفر في ثناياها وأعماقها.

ليس هدف هذا المقال – لا سمح الله – الحط من قدر ما يكتب في الغرب عنّا، فكثير منه هام وعميق ولا غنى عنه....ولكن أصدقكم القول، أن بعض ما يكتب في صحف ومواقع أجنبية، ويعاد ترجمته ونشره بصورة احتفائية أحياناً، يثير الضحك حيناً و»الاشمئزاز» أحياناً...وأحيلكم إلى جملة تقارير تطايرت مؤخراً، تتحدث عن موقف واشنطن من الحراك الشبابي والاجتماعي في الأردن، وعلاقة ذلك بما يجري في سوريا، حيث يُقال أن شرارة التغيير التي اندلعت في درعا، تنذر بتهديد الأمن والاستقرار في الأردن، لمجرد أن هناك عائلات تربطها صلات قربى على ضفتي الحدود...وأن اشتباك إخوان سوريا مع نظام الرئيس بشار الأسد، ينذر بأمر مماثل في عمان، وربما بالوسائل ذاتها، من دون أن يبذل كتبة هذه التقارير، جهداً في قراءة «الافتراقات التاريخية» بين التجربتين السورية والأردنية، لجهة العلاقة بين الحكم والإخوان...إلى غير ما هناك من «تحاليل» ظاهرها فيه كثير من الجد، وباطنها «خاوٍ» لا يسمن أو يغني من جوع معرفي، وأحياناً يشف عن جهل وتنميط، يذكر بأكثر مدارس الاستشراق «خفّة» و»تهافتاً»...فدعونا بربكم، نثق بعيوننا وعقولنا وأدواتنا، ولو قليلاً.(الدستور)
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات