القاتل الليبرالي

من مفارقات الحالة العربية الراهنة هذا الانفصام في الخطاب الليبرالي, فحيث يتصدر الليبراليون المنابر الاعلامية ويطالبون بالحريات العامة وحقوق الانسان... الخ.
ويحملون الانظمة العربية المختلفة مسؤولية الوضع العربي والفساد والاستبداد, الا انهم ينسون او يتناسون ان الخطاب الليبرالي بالذات هو مسؤول اساسي في الوضع العربي المذكور...
فالخصخصة, وبيع القطاع العام بتراب المصاري, ورفع الدولة يدها عن دعم السلع والخدمات الاساسية وتوسيع حجم الدين العام, وضرب القطاعات الانتاجية, وتعميق التبعية للنظام الرأسمالي العالمي هي اجراءات ليبرالية قام بها وشجع عليها ودافع عنها واخذ عمولاتها, الفريق الليبرالي في كل البلدان التي شهدت وتشهد احتجاجات اجتماعية من تونس الى مصر الى سورية الى الاردن.
وكان حال الليبراليين مثل حال الذي باع بقرته ليشتري حليبا, وبلغة ما يحدث اليوم, فان الفريق الليبرالي الذي حطم الاقتصادات الوطنية هنا وهناك, هو الذي يتباكى اليوم على تداعيات ذلك ويدعو الى مواجهة هذه التداعيات بالذات بالحليب الامريكي او بالطبعة الامريكية من خطاب الحريات وحقوق الانسان او ما يمكن اختصاره بالمثل الشعبي (ضربني وبكى وسبقني واشتكى).
ليبراليون يحطمون الدول والاقتصاد الوطني عبر الخصخصة والفريق الاقتصادي منهم.. ثم يقوم الفريق السياسي والاعلامي منهم بذرف الدموع الديمقراطية والتغطية على التدخل الاجنبي باشكاله المختلفة لاستكمال ما بدأه الفريق الاقتصادي, وبما يذكرنا بكتاب هوبكنز (القاتل الاقتصادي) الذي قدمه الدكتور بسام ابو غزاله للقارئ العربي, ولكن تحت عنوان آخر (القاتل الديمقراطي) مثلا.
واذا كان العنوان مختلفا, فان الاساليب والسيناريوهات واحدة.
ففي (القاتل الاقتصادي) وبعد انكشاف الاقتصاد في البلد المستهدف تحت ضغط الفريق الليبرالي, تتدرج الاجراءات الامريكية من الابتزاز والضغط على الحكومات المستهدفة الى تحريك الثورات الملونة الى الاغتيالات السياسية الى التدخل العسكري المباشر, تماما كما يفعل القاتل الليبرالي.(العرب اليوم)