مبارك في القفص..هل فعلها الشعب المصري؟

أثمر الربيع العربي..وها هو مبارك يساق إلى المحكمة وينتظره القفص وهذه أول مرة في تاريخ العرب المعاصر تجري محاكمة رئيس دولة وإخراجه من السلطة بإرادة شعبية وأمام محكمة مدنية..
وإذا ما سارت الأمور بالشكل الذي جرى الحديث عنه من أوساط مصرية قضائية فإننا سنشاهد محاكمة العصر العربي..
تحليلات الأسبوع الماضي جاء في بعضها أن الرئيس قد لا يحاكم وقد يجري تأجيل محاكمته بذريعة المرض أو عدم القدرة على المثول أمام المحكمة وقد يتوفى قبل المحاكمة بشكل طبيعي أو غير طبيعي وهناك من ذهب إلى استحالة محاكمته طالما أن المجلس العسكري وفيه أتباع مبارك ومن خدموا تحت أمرته هو الذي يحكم وبالتالي لا يمكنهم أن يحاكموا الجنرال الطيار مبارك!!
صراع الإرادات بين الثورة الجديدة الشابة والشبابية وبين القوة التقليدية جرى حسمه لصالح الشباب حين تنحى مبارك ولكن نظامه بقي في صيغ أخرى متعددة فهل جرى الحسم الآن وبشكل نهائي حين تبدأ المحكمة ويمثل مبارك أمامها وتفتح صفحة جديدة في تاريخ مصر وثورتها ويبدأ التغيير يحصد ما بقي من النظام السابق وإذا ما جرت المحاكمة لمبارك ومن حكموا معه وتورطوا في قضايا القتل والفساد والإفساد فإن مصر تكون قادرة على إعادة إنتاج نفسها لأنها استطاعت أن تتخلص من حقبة هتف المصريون ضدها طويلاً في ميدان التحرير وقدموا من أجل الخلاص منها آلاف الشهداء ومئات آلاف الجرحى..
هل نستمر في الخوف على مصر من إجهاض ثورتها وإطالة زمن معاناتها ومراوحتها..فإزالة النظام السابق قد تكون أسهل بكثير من بناء نظام جديد وهناك مسافة لا بد أن تقطعها مصر ويقطعها المصريون ليخرجوا بمصر إلى الفضاء والحرية وتأكيد الهوية وإعادة بناء وزن مصر الحقيقي في شبكة العلاقات الإقليمية والدولية بعد غياب مفجع لدور مصر ووزنها وهيبتها ودورها في تطور المصريين وفي الصراع من أجل دورها التاريخي الذي أوقفته اتفاقات كامب ديفيد واشتراطاتها الجائرة التي اختصرت مصر كثيراً وجعلتها في الحجم الذي خرج عليه الثوار..
حين تنهض مصر تنهض الأمة العربية وحين تتراجع مصر تتراجع الأمة وقد حصل ذلك ورأينا مصر في عهد عبد الناصر ودورها في حرية واستقلال كثير من الأقطار العربية كما رأينا مصر وهي مكبلة بكامب ديفيد وبنظام حكم استمر أكثر من ثلاثين سنة دون تداول سلطة وقد أعد نفسه للتوريث وما يستلزم ذلك من مصادرة لروح مصر ووعيها وتغييب لدورها وأحزابها وحركاتها السياسية..
من كان يرقب الحالة المصرية في آخر ثلاث سنوات كان يدرك أن مصر ذاهبة إلى الانفجار والثورة والتغيير فقد نضجت معاناة المصريين بما يكفي ولم تكن ثورة تونس التي سبقت إلا بمحض الصدفة وربما كان من المتوقع أن تسبق مصر تونس وها هي تسبقها في سرعة إيقاع ربيعها بوصول مبارك إلى المحاكمة شأن كل من رهنوا أنفسهم للأجنبي على حساب شعبهم فقد سرب الأميركيون أخيراً وثائق تكشف عن شخصية مبارك المستندات المسروقة والتي اعترف الجنرال وليم لين نائب وزير الدفاع الأميركي بسرقتها من أدراج وكالة المخابرات المركزية الأميركية تعكس حالة مبارك النفسية وشخصيته التي حللتها المخابرات الأميركية واحتفظت بها طويلاً واستثمرتها لمصالحها وها هي ترمي بها بالتسريب في (117) تقريرا تضم تقييما تحليليا لشخصية كل أربع سنوات..
وقد جاءت التحليلات تحت أبواب وبنود وضمن سياق وقائع حصلت وقد اختبر فيها الرئيس ودونت النتائج تحت صفات:
إنه (بليد) و(يعشق الكذب) و(غير متدين) و(عنيد) و(متصنع الشخصية) و(شكاك) و(متغطرس) و(فارغ) و(نمّام) ويشعر «بالدونية» وسهل الانقياد...ومع ذلك كان الأميركيون يتعاملون معه ويدافعون عنه وقد حكمت هذه الشخصية مصر كل هذه العقود!!(الراي)