الحكومة والمعارضة: من (يغنج) أولاً?

الطرفان في الأردن في حالة ضعف: السلطة السياسية من جهة وحركة المعارضة بكل أشكالها سواء الأحزاب المنظمة أو الحركة في الشارع من جهة أخرى. إنهما يدركان ذلك جيداً, بمعنى أن السلطة تدرك ضعفها الذاتي كما تدرك ضعف معارضيها, والمعارضة كذلك تدرك ضعفها الذاتي وضعف السلطة التي تقابلها.
لاحظوا مثلاً أن السلطة تقوم أحياناً بحركة فيها إظهار للقوة, لكنها سرعان ما تعود عنها. لقد جربت البطش بالمظاهرات لكنها سارعت فوراً إلى الاعتذار والقول أن الحادث فردي. وقد حركت جمهوراً مضاداً ليقف بوجه جمهور المعارضة لكنها تبرأت منه في نفس اللحظة. وبالمقابل أقدمت المعارضة على خطوات فيها بعض التحدي, لكنها أيضاً سارعت إلى القول أن ذلك لم يكن قراراً مركزياً. لاحظوا مثلاً أن قادة الأحزاب يحضرون كثيراً من المظاهرات ولكنهم يحرصون على القول إن مشاركتهم فيها فردية.
ترفع الحكومة أحياناً من لغتها في مواجهة المعارضة ولكنها تباشر فوراً فتح قنوات جانبية لتبريد الأجواء. وبالمقابل تقرر المعارضة القيام بنشاط من مستوى أكثر حدة, لكنها تسرع إلى تمرير التطمينات اللازمة للسلطة بأن لا تأخذ الكلام على محمل الجد, حيث نكتشف فعلاً أن الكلام عن النشاط أكبر بكثير من النشاط ذاته. بل إن الحزب الأكبر (الإسلاميين) تعرف فيما يبدو على تقنية العمل السياسي المموه التي اشتهرت بها الأحزاب اليسارية في عهود ماضية والمتمثلة باعتماد أسماء غير حزبية للنشاطات بحيث لا يتحمل الحزب المسؤولية المباشرة, وقد لاحظنا أن المعارضة كلها اهتدت مؤخراً إلى تسميات محايدة لتحركاتها, مثل الانتساب إلى يوم من أيام الشهر أو اعتماد شعار لا يحمل إشارات واضحة, وهناك ميل حزبي للتبريد يتخذ صيغة: "إنه حماس الشباب وعلينا -جميعاً- ان نستوعبهم".
إنها حالة من "توازن الضعف" بين الطرفين, وكل منهما ينتظر ويتمنى أن يرتكب الطرف الآخر حماقة لعله يستفيد منها, وفي هذه الأثناء يتعين على البلد العيش في حالة من "المغانجة" السياسية.(العرب اليوم)