سوريا.. هل ضاعت الحكمة وفات الأوان ؟

ما يجري في سوريا الحبيبة الآن لم يترك للتبرير او التغطية عليه مجالاًويبدو ان خيار الحكمة الذي تحدث عنه خادم الحرمين الشريفين في كلمته الموجهة الى سوريا وقيادتها اصبح خلف الاحداث الدامية او تحتها نتاج ما تراكم فوقها من قتل واعتقالات وتعذيب لقطاعات محتجة واسعة من الشعب السوري كانت نماذجها في حماه وحمص وديرالزور ودرعا وعلى امتداد الارض السورية من حدود لبنان الى العراق ومن حدود الاردن الى تركيا..
لقد صمت العرب قادة وشعوبا طويلا على المجازر التي ارتكبها النظام السوري بحق السوريين وكان وراء هذا الصمت تراث من القمع والتخويف الذي اشاعه النظام السوري ضد الانظمة العربية حين كانت يده تطال عواصمها المختلفة بالتخريب والتفجير والاغتيالات التي عرفتها الكويت وعرفتها دول في شمال افريقيا. والتخويف طال الاحزاب المعارضة وحتى الافراد حيث كان النظام يعتقلهم سواء كانوا سوريين او غير سوريين ودون تهم محددة او اعتذار وقد جرى اعتقال او توقيف حزبين ومسؤولين وموظفين من دول اخرى زاروا سوريا او مرّوا بها وبعضهم ما زال في سجونها ظلما...
واعتقد ان سّر التأخير في شجب ممارسات النظام السوري ضد شعبه بشكل علني وواضح ومباشر من العرب مرده هذا الموقف واحتساب بأن لا تتمكن الثورة من الانتصار وقيام النظام نفسه بالانتقام وحسابات أخرى..
في جرد مواقف الأنظمة العربية من قضايا عديدة في الصراع العربي الاسرائيلي وحتى من حرب الخليج اوالهيمنة على لبنان وغيرها تعرضت أنظمة عديدة عربية للنقد بشكل شديد وظلت سوريا لا تنقد وحين تنقد كان ذلك على حياء وتردد وخوف الى أن وقعت الثورة الأخيرة فسجلت فضائيتا الجزيرة والعربية ووسائل اعلام مستقلة فضحاً للموقف:
لقد واجه كتاب وصحفيون ومفكرون سوريون ولبنانيون وعرب اعتقالات وقتل واغتيال وتعذيب على يد النظام السوري منذ أكثر من ثلاثين سنة ويكفي ذكر اسم الصحفي « سليم اللوزي» الذي اعتقل وعذب ومثل في جثته لانه نقد الموقف السوري في لبنان وهناك عشرات الكتاب والمفكرين من ضحايا النظام في لبنان وعواصم أخرى في قوائم تطول..
كلمة العاهل السعودي تفتح باب الجرأة والشجاعة لقول الحق فالساكت عن الحق شيطان أخرس فكيف حين يكون باطل النظام يستهدف اهلنا في سوريا ويستهدف المفكرين والكتاب والسياسيين والحزبيين والمعارضين وحتى الاصلاحيين وكل من قال لا أو اعترض حتى داخل بيئة النظام نفسه..وما زلنا نذكر تصفية مسؤولين سوريين وسجنهم لاعتراضهم على «التوريث» قبل أن يقع وعلى تغطية ما كان يجري في لبنان طوال سنوات الاحتلال السوري له..والى ان قتل الحريري ورحل السوريون..
سجل النظام السوري يطول وتحالفاته غير مفهومة وضحاياه سواء في تل الزعتر أو طرابلس ومعاركه التي خاضها في لبنان على اختلاف طوائفه وسياساته وكذلك الانشقاقات التي صنعها في الصف الفلسطيني وما زالت قائمة حتى الآن وتدفع القضية الفلسطينية ثمنها حين ارادها النظام ورقة يلعب بها ما يشاء في حين ظل يغطي بها تعطيل تحرير الجولان السوري أو يؤجله أو يتذرع بأسباب غير مفهومة رغم رفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» التي لم نرها منذ عام 1973 وحيث ظلت حدود سوريا مع الاحتلال آمنة لا يمر فيها عصفور..
كنا نقلق على سوريا أن يصيبها مكروه لأننا كعرب كنا نريد أن ننذرها للصمود والصراع ورد الاحتلال وقد خاب أملنا وطال انتظارنا وفجعنا اليوم ونحن نرى «الذئب في فراش ليلى» كما يقولون وكيف ينقض النظام على شعبه ويفتك به ولسان حالنا يقول:
«أسد عليّ وفي الحروب نعامة....ربداء تهرب من صفير الصافر»!!
نعم حرمنا من زيارة سوريا لأننا نقدنا موقفها في حفر الباطن وهي تذهب بقرارات حزب بعثها لضرب العراق أو السكوت على ضربه عام 1990 يومها ما زلت أذكر قول مسؤول أردني كبير لي حين كتب تحت عنوان «ملك سوريا الذي سلم قلعة الشقيف للصليبيين يعود» فقال لي الا تخاف؟..هل شربت حليب السباع...من يومها لم نتمكن من دخول سوريا..وقد جرى اعادتي عن الحدود أكثر من مرة فقد ظل النظام معتمداً الصيغة الأمنية في التعامل مع الداخل والخارج وظل سفراؤه ينجزون له هذه المهمات التي كشفتها الكويت أخيراً مطالبة بطرد السفير..(الراي)