فائض الديمقراطية العربية !!

اذا كان شر البلية يضحك كما قال أسلافنا فان نشر البلايا كلها يبعث على القهقهة حتى البكاء، فالجسد العربي الذي عانى لعقود من عدة أنيميات سياسية وثقافية واقتصادية، أصبح يعاني من فائض العافية كما يقول المتفائلون بين عشية وضحاها، والمجتمعات التي عانت الويل من غياب الديمقراطية وليس نقصانها فقط أصبحت تعاني من فائض هذا المحصول التاريخي خلال أسابيع..
ويبدو ان هناك مفاهيم بحاجة الى اعادة تعريف كي تتناغم مع هذا العصر ومع معجم العولمة الذي أصبح مرادفاً للتعمية، فالفوضى ليست فائضاً للديمقراطية بل هي فائض غيابها، لكن كيف نحدد الفرق بين علبتين نخضها ولا نسمع لهما صوتاً.. الاولى فارغة تماماً والثانية مليئة حتى الحافة؟
وحداثة النعمة ليست حكراً على المال والتسلل الطبقي رغماً عن وسائل الانتاج وليس بفضلها لهذا فان هناك مصطلحات ومفاهيم نتعامل معها كحجارة كريمة، ولها مجال جذب مغناطيسي يحولنا أحياناً الى برادة حديد لا أكثر ولا أقل..
لقد سميت فوضى العراق المدمرة والتي حرقت المراحل لاعادة العراق الى القرن التاسع عشر ديمقراطية فائضة وانتهى بنا الأمر الى احصاء عدد القتلى والمشردين والمعاقين بسبب هذا الفائض السحري!
وسميت تلك المرحلة انتقالية رغم مرور ما يقارب العقد من الزمن، ولا نعرف كم من الاعوام سيستمر هذا الانتقال بخطواته البطيئة، وقد يكون المحروم المزمن من الحريات كلها بدءاً من أدناها اليومي محقاً في الحماس المفرط لأنه يريد تسديد مديونيات، هي في الحقيقة لا تقبل مثل هذا التسديد، بل تضاعفت بفضل الربا التاريخي!
ان الحروب الأهلية سواء كانت باردة في طور النمو أو ساخنة متفجرة هي ديمقراطيات تبعاً للتعريف الجديد لمصطلحات السيادة الوطنية والديمقراطية، والاستحقاق، وهناك بالفعل أناس لا يفرقون بين العصا والثعبان وأحياناً بين ألف الديمقراطية والمكنسة!
أما اذا كان الشعار غير المعلن هو شمشوني يقول عليّ وعلى اعدائي يا رب.. فان كل ما حلمنا به لعقود سوف يتحول الى كابوس طويل، فالبوصلات معطلة.. ان لم تكن معطوبة أساساً، ومتوالية الشعارات لا تتيح لرافعيها فرصة التأكد من أنهم حققوا ولو واحداً متواضعاً منها.
ما من حراك من أجل الحراك فقط.. الا في هذا الزمن الذي أصبح فيه التفاوض مع الاعداء من اجل التفاوض فقط، تماماً كما قيل ذات يوم عن الفن للفن فقط أو العلم للعلم فقط مما أتاح لعلماء واصحاب مواهب أن يطوروا أدوات التعذيب ويستنسخوا اسبارطة وأباطرة من طراز كاليجولا في الالفية الثالثة!
ويغيب عن الديكة المتصارعة على الشاشات أن ثلث هذه الامة على الاقل لا يفهم ما يقولون بسبب الامية بمعناها التعليمي، والثلث الآخر على الاقل يضع في أذنيه طيناً وعجيناً لانشغاله بشجون لا تعرفها الديكة التي فقدت أعرافها ووجدت مزابل بديلة تصيح عليها بأصوات مبحوحة لفرط الصراخ!
الوطن العربي الآن يقضم من كل الاطراف ويبلل حدوده لعاب الحالمين باقتسامه كرجل مريض آخر..
ومن يصرخون من الظمأ من أجل حفنة ماء نملأ أفواههم بالكاز!!(الدستور)