هل سينتصر السوريون على نظامهم؟ الجواب لا يحدد موقفنا

يشير البعض إلى أن المعركة المندلعة في سوريا بين النظام وبين الجماهير المطالبة بالحرية هي معركة عبثية، لأن النظام متماسك إلى حد كبير، وليس ثمة فرصة لتكرار النموذجين التونسي والمصري من حيث تدخل الجيش لحسم الصراع، وبالطبع لأن قيادة الجيش والمؤسسة الأمنية (لا يقولون هذا بالضرورة) هي من قماشة النظام، أعني من الطائفة العلوية التي تلتف من حوله بقوة وإصرار، فضلا عن حقيقة أنها تشكل نواته الصلبة التي يصعب اختراقها.
هناك بالطبع آخرون يرون ما يجري محض مؤامرة على نظام المقاومة والممانعة، وهي مؤامرة تدبرها أيادٍ صهيونية وإمبريالية، من دون أن يتكرم هؤلاء بالإجابة على سؤال لماذا انتفض الشعب المصري والتونسي واليمني والبحريني، فضلا عن تحركات شعبية في دول أخرى؟ وهل يعني ذلك أن شعوب الأمة هي جحافل من المغفلين الذي تسوقهم تل أبيب وواشنطن إلى حتفهم وهم مسلوبو الإرادة؟!
لنعد إلى الفئة الأولى وهي التي تعنينا في هذه السطور. هنا نقول إن ما ذكر صحيح إلى حد كبير، أعني تماسك النظام بوجود طائفة قوية ومسلحة إلى جانبه، وهي ذاتها التي تمسك بمفاصل المؤسسة الأمنية والعسكرية، فضلا عن وجود فئات أخرى منتفعة من الوضع الراهن أو خائفة من البديل (يشير البعض هنا إلى الدروز والمسيحيين وفئة معتبرة من العرب السنة)، لكنهم لا يأتون على ذكر الحضور الإيراني الفاعل بالمال والسلاح والخبرات، والذي يدير المعركة بشكل يومي ومباشر، ولم يبق له غير إرسال جنود يشتبكون مع الناس في الشوارع.
هنا ينهض سؤالان مهمان، الأول هو هل يعني ذلك كله أن انتصار الشعب السوري مستحيل، والثاني هل إن سؤال فرص الانتفاضة الشعبية في الانتصار هو الذي كان ولا زال يحدد موقفنا؟ وبتعبير أدق: هل كانت قناعتنا بإمكانية الانتصار سببا في تحديد موقفنا لصالح الجماهير وضد النظام رغم قناعتنا السابقة بأنه كان جزءًا مهما من محور المقاومة والممانعة، وهي قناعة لم تشككنا ولو لحظة في أنه كان يدافع عن وجوده ولا يخاطر بنفسه دفاعا عن العروبة والإسلام.
بالنسبة للسؤال المتعلق بإمكانية الانتصار نقول، إن كل ما ذكر آنفا، ومن ضمنه الموقف الدولي الذي يميل إلى وقف مسلسل الثورات العربية وليس استمرارها، وهو ذاته موقف الكيان الصهيوني، كل ذلك لا يعني أن الشعب السوري قد أخطأ بخروجه السلمي على النظام، أو أن فرص الانتصار معدومة، وما يدفعنا إلى قول ذلك هو هذا التصاعد في مد الانتفاضة الشعبية وعجز النظام رغم فائض القوة الذي استخدمه عن إسكات صوت الجماهير المطالبة بالحرية. أما مسألة الجيش والأمن فهذه لن تكون عاصما للنظام من السقوط عندما يحسم المترددين موقفهم ويدركون عبثية السكوت على نظام دموي طائفي لا يرقب في شعبه إلاً ولا ذمة.
الأهم من ذلك هو السؤال المتعلق بتحديد الموقف في عرفنا، وعلى هذا الصعيد نحب أن نقول لأولئك جميعا، ومن ضمنهم جحافل «الشبيحة» الذين ينفسون عقدهم الحزبية والعقائدية، وأحيانا الطائفية عبر الإنترنت والمواقع الإخبارية، إننا لم نفكر يوما بهذه الطريقة الانتهازية، ولم ولن تكون قلوبنا في معسكر وسيوفنا أو أقلامنا في المعسكر الآخر لمجرد أنه الأقدر على تحقيق الانتصار تبعا لاعتبارات موازين القوى وليس ميزان الحق والباطل.
نحن مع الحق من دون تردد، والشعب السوري هو صاحب الحق، والنظام هو المعتدي والفاسد والدكتاتوري، وحتى لو كانت للنظام مواقف محمودة في السياق الخارجي، فإن ذلك لا يمنحه رخصة قتل الناس وسلب حريتهم (للتذكير فنحن لم نكن نؤيد نظام صدام في سياسته القمعية في الداخل، وإن أيدناه ضد العدوان الأمريكي).
هذا هو موقفنا، أما الذين وضعوا أنفسهم في حضن النظام وسبحوا بحمده تحت شعارات براقة، فليهنئوا بذلك، لكن أحدا لن يصدقهم بعد اليوم حين يتحدثون عن الحرية والإصلاح، ولن يصدق أيضا دعواهم بالوقوف في وجه الصهيونية والإمبريالية، لأن معارك الأمة تخاض بالأحرار وليس بالعبيد.(الدستور)