كيف نتعامل مع الإرهاب ؟

تم نشره الأحد 06 آذار / مارس 2016 12:12 صباحاً
كيف نتعامل مع الإرهاب ؟
د. فطين البداد

عبرت سيدة أردنية التقتها المدينة نيوز في إربد ، عقب العملية الأمنية ، وبطريقة عفوية صادقة ، عن الموقف الجمعي للأردنيين من الإرهاب ، والتطرف والتكفير .

السيدة المذكورة التي استوقفتني بحديثها البريء للكاميرا ومن دون موعد ، كانت تفيض صدقا ووطنية وولاء وانتماء ، وفي نفس الوقت ، بغضا وكرها للمتطرفين الذين كانوا يريدون سوءا بالأردن وأهله .

وقياسا على هذه السيدة الأردنية ، التف شباب وأطفال حولها هاتفين بحياة الأردن وقائده ، ومعبرين عما يجول في خواطر الجميع : من أن هذا البلد الأشم سيظل عصيا بإذن الله على الإرهاب وكل من يناصره أو يدعو إليه كائنا من كان ، أردنيا أو أجنبيا ، في الداخل أو الخارج.

وإذا كانت الدولة يقظة بأجهزتها الأمنية وبقواتها المسلحة ، وبشعبها بمختلف فئاته ، فإن اليقظة وحدها ليست كافية للوقوف في وجه الإرهاب الذي هو ليس فقط : رشاشات وصواعق تفجير وأحزمة انتحارية ، إذا لم يكن رديف ذلك كله استراتيجية وطنية شاملة وعملية ، تشترك فيها المدارس والجامعات ، والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والمساجد والبيوت ، ينبثق عنها فهم شامل لهذا الخطر الداهم ، ومن ثم خطة محكمة لمواجهته ، بحيث يصبح كل مواطن قناة تلفزيونية ، ومحطة إذاعية ، وصحيفة ، وموقعا إخباريا ، وصورة ، وصفحة على الفيس وتويتر ، و رجل أمن ، وجنديا ، إلخ .. لأن ما نواجهه ليس تنظيما ماديا فحسب ، بل هو " أفكار " لا تحدها حدود ، ولا تقيدها قيود .

أعود بالذاكرة إلى ما عرف بـ " الجماعة الإسلامية " في مصر ، تلك التي انطلقت في السبعينات وامتدت إلى الثمانينات وبعض أجزاء من تسعينات القرن الماضي ، ومن أبرز وجوهها الآن عمر عبد الرحمن المحكوم بالمؤبد في الولايات المتحدة ، وهي جماعة بنت نفسها على العنف والإرهاب وتمكنت الدولة المصرية من اجتثاثها من منطقة الصعيد وجامعاتها ، ولكن المصريين - في نفس الوقت - كانوا بارعين في مناقشة هؤلاء الغلاة ، عبر سنوات ، إلى أن تمكنوا بواسطة دعاة محترفين ذوي مصداقية ، من إقناع جميع من انتسب إلى هذه الجماعة المتطرفة - في حينه - بأن يراجعوا مفاهيمهم العقدية ، وأسس مدارسهم الشرعية ، إلى أن أصدر زعماء هذه الجماعة وهم في السجون " مراجعات " نشرت على الملأ ، اعترفوا فيها بأنهم كانوا خاطئين ، وبأن منهجهم الذي بنوه على العنف والقتل لم يكن من الإسلام في شيء، وكذلك الأمر ما وقع في موريتانا ، حيث أوكلت الدولة هناك للداعية العلامة محمد الحسن الددو الشنقيطي الذي قضى مدة طويلة في السجون ، مهمة محاورة الغلاة والمتطرفين ، إلى أن تمكن منهم ، ومن إقناعهم بأنهم خاطئون ومفترون على الدين ، وكذلك استعين به في السودان وفي بعض الأقطار العربية والإسلامية ، وها إن البعض منهم الآن من أشد محاربي التطرف والغلو ، ومنهم مفتي تنظيم القاعدة السابق الشيخ محفوظ ولد الوالد الذي تستضيفه الفضائيات العربية والأجنبية الآن خلال حواراتها وبرامجها عن التطرف والمتطرفين ، وعليه قس ما استحدثته السعودية من مراكز مراجعات إصلاحية لهؤلاء ، حيث نجحت في استتابة كثير منهم إلخ ..

وبالتأكيد ، فإن الحوارات التي أتحدث عنها لا يجب أن تشمل الذين يحملون السلاح ويخططون لزعزعة الأمن والإستقرار ،أو الذين مارسوا العنف ، فأولئك ليس لهم إلا السيف ، بل أولئك الذين وقعوا في مصيدة هذا الفكر الإجرامي ، عبر الأنترنت وخلافه .

وإذا كان البريطانيون بعثوا أئمة مساجد بريطانيا قاطبة إلى العراق ليقفوا على حقيقة داعش وأعمالها ، ويتسلحوا بالعلم والدراية لما فعله هذا التنظيم بالمدنيين الأبرياء وبالمدن التي دمرها والخراب الذي أحدثه ، لينقلوا كل ذلك إلى مسلمي المملكة المتحدة فتحصنهم من هذا الفكر المتطرف ، فإن الأردن ليس بدعا من الدول المختلفة خاصة وأنه مضرب مثل العالم في الأمن والإستقرار والحكم الرشيد .

لقد وصل الأمر إلى أن نجد سبعة من ابناء هذا الوطن يحضرون لضرب مرافق مدنية وعسكرية وتفجير أسواق وقتل أبرياء ، ومثل هؤلاء لم يكن لهم إلا ما كان من تعامل أمني صارم وبلا رحمة ، وفي المقابل ، فإننا بحاجة ، كما قلنا ، إلى استراتيجية تحصن مجتمعنا من مثل هؤلاء ، ومن فكرهم المريض ، لأن ذلك أنجع وأولى ، استنادا إلى الحكمة القائلة : " درهم وقاية خير من قنطار علاج " .

وإذا كانت الحرب على الإرهاب والإرهابيين هي من صميم مسؤولية الدولة ، وأيضا من مسؤولية الجهات التي عددناها آنفا ، فإنها - كذلك - من مسؤولية المواطنين ، مجتمعين ومنفردين .

وأختم برسالة إلى كل أردني : تذكر أنك تقف على ثغرة من ثغور الأردن ، فلا يُؤتينَّ من قِـبلك !.

د. فطين البداد

fateen@jbcgroup.tv 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات